يقود ترامب السياسة الأمريكية بأسلوب واضح؛ لا يميل من خلاله لتشفير العبارات، وهو يعلن بصراحة أفكاره في قيادة الولايات المتحدة، التي تهتم بفرض النفوذ، والتوسع والاستيلاء والسيطرة على مصادر النفط، أو عقد صلات قوية مع البلدان النفطية.
تصريحاته ضد إيران تكررت بعد توليه الرئاسة، فالرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، أبدى للجميع من خلالها أنه لا يخبئ المقاصد خلف العبارات، بل يأتي بها صريحة.
ذلك ما ذهب إليه الناطق الرسمي للحراك الشعبي السني في العراق، الشيخ فاروق الظفيري، معتبراً أن تصريحات ترامب الأخيرة تكشف حقيقة “السيادة العراقية”.
“القاعدة”.. حرب استخباراتية على نار هادئة و”تنظيم الدولة” يخطف المشهد
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قال إن بلاده اقترفت خطأً فادحاً حينما دخلت العراق ثم “سلمته إلى إيران”، مؤكداً أن لديه عدة حلول لأوضاع العراق، منها “عسكرية”، لن يعلنها قبل تنفيذها.
وعبّر في مقابلة أجرتها معه محطة “إيه بي سي”، بثت الأربعاء، عن استيائه الشديد من سياسة الإدارة السابقة لبلاده تجاه العراق، التي قال إنها “تركت العراق وحيداً”، وإن ذلك “أنشأ فراغاً استغله الإيرانيون وتنظيم الدولة”.
وبيّن أنه “كان يجب أن نضع اليد على النفط في العراق”، مضيفاً أن “العراق كان يمتلك قوات مساوية لإيران، وكانت هناك حروب ولسنوات طويلة بين البلدين، وكانت ستستمر هذه الحروب، إلا أن أمريكا اقترفت خطأً فادحاً حينما دخلت العراق وسلمته إلى إيران”.
وتابع ترامب: “كان يجب ألا نترك العراق، فقد شكّلنا هناك فراغاً كبيراً، مُلئ من قِبل إيران وداعش”.
ويعتقد الرئيس الأمريكي أنه لا توجد حكومة في العراق بعد خروج الأمريكيين حتى الآن، “لذلك كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقى هناك وتسيطر على النفط العراقي؛ لكي لا يقع بيد عناصر تنظيم الدولة”.
تلك التصريحات، يرى الظفيري، أنها “توضح التغلغل الحقيقي لإيران في العراق، وسيطرتها على مقدراته”، مضيفاً أن تلك التصريحات “تكشف كذب حكومة بغداد وسياسييها، الذين ما زالوا يكذبون على الناس بتصريحاتهم عن وجود سيادة (للحكومة العراقية في العراق) وما إلى ذلك”.
وتابع لـ “الخليج أونلاين”: “الآن، ومن أعلى سلطة في العالم؛ من أمريكا التي احتلت العراق (من 2003 إلى 2011)، هي رسالة واضحة لروسيا أولاً، ولإيران وللسياسيين العراقيين أيضاً؛ بأن هناك ترتيباً جديداً سيظهر في المنطقة، فعلى كل جهة أن تنتبه لما سيجري”.
الناطق الرسمي للحراك الشعبي السني في العراق يقرأ تصريحات ترامب بأنها أزالت “التقية التي كانت موجودة عند الحكومة السابقة”، مشيراً إلى أن “الحكومة الأمريكية تتحدث بصراحة اليوم على لسان ترامب”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “ترامب لا يتحدث من ذاته، بل هو يعمل لحساب السياسة الأمريكية”.
ويعتقد الظفيري أن تصريحات ترامب أيضاً رسالة إلى روسيا؛ إذ إن “عليها أن تكون بجانب أمريكا، والعمل على إبعاد إيران عن هذا الموقف والموقع الذي هم فيه”.
أما تشديد ترامب على أهمية الربح من خلال السيطرة على النفط، يقول الشيخ الظفيري: إن “كل الحروب التي جرت في المنطقة كان النفط سبباً في اندلاعها، بغض النظر عن الصراعات الأخرى الجوهرية، لكن النفط هو المغذي لهذه الحروب والمسيطر عليها”.
أيضاً يذهب الظفيري إلى أن “ترامب وباعتباره تاجراً ويحمل رؤيا اقتصادية، فهو يعمل وفقاً للمصالح المادية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن أمريكا تعرّضت لخسارة كبيرة بتركها العراق لإيران تعبث فيه كما تشاء، وبالمقابل وقعت في الخصومة مع دول مثل السعودية وغيرها من دول المنطقة”.
لكن وبالمقابل، بحسب الظفيري، فإن “إيران وروسيا تمددتا على حسابات الاستراتيجية الأمريكية. هم اليوم (الأمريكان) يريدون إعادة حسابات المنطقة، وأن يسيطروا على النفط تماماً، لا سيما نفط العراق، بعد أن سيطرت عليه إيران فارضة نفوذها على كل مقدرات العراق”.
إياد الدليمي، الكاتب والمحلل السياسي، لم يذهب بعيداً في الرأي عن الظفيري، وهو يشير إلى ما أسماه بـ “المزاج الجديد” للسياسة الأمريكية، الذي ظهر من خلال رئيسه المثير للجدل دونالد ترامب.
في حديثه لـ “الخليج أونلاين”، أعرب الدليمي عن اعتقاده بأن تصريحات ترامب “تعكس مزاجاً جديداً في إدارة البيت الأبيض”، معللاً أن ترامب منذ إعلانه ترشحه لانتخابات الرئاسة أظهر “رفضاً للدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط”، مستطرداً بأن ترامب “قالها صريحة بإعلانه نيته تمزيق الاتفاق النووي مع إيران”.
وكان دونالد ترامب وصف اتفاق الصفقة النووية مع إيران، الذي تم التوقيع عليه منتصف يناير/كانون الثاني 2016، بأنه “أسوأ صفقة”، وهو الاتفاق الذي كان يعتبر أفضل نجاح دبلوماسي حققه الرئيس باراك أوباما.
الدليمي يجد أن إيران كانت تدرك خطورة تصريحات ترامب المتعلقة بالاتفاق النووي، مبيناً: “لذلك سعت لتدعيم موقفها بالعراق؛ سواء من خلال الإسراع بإقرار قانون الحشد الشعبي (مليشيا مدعومة من إيران لها نفوذ في العراق)، أو حتى طرح ما يعرف بالتسوية التاريخية؛ عبر (رئيس كتلة المجلس الأعلى الإسلامي في العراق)، عمار الحكيم، لتثبيت واقع الحال، وأيضاً ما تقوم به في سوريا من محاولة تحصين مكاسبها”.
ويذهب المحلل السياسي العراقي في اعتقاده إلى أن “ترامب سيسعى إلى إعادة نفوذ الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، خاصة أن هناك قوات أمريكية توافدت فعلاً إلى العراق، ووصل عددها إلى أكثر من 7 آلاف مقاتل”.
يحيى صهيب، الكاتب والمحلل السياسي العراقي، يرى أنه ليس من السهل التعامل مع “التغول الإيراني” في العراق، موضحاً في حديثه لـ “الخليج أونلاين” سبب ما ذهب إليه بكون “إيران استطاعت أن تتغلغل في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة العراقية”.
وسبب آخر يفسر ما ذهب إليه صهيب، بحسب قوله، يكمن في أن “إيران استطاعت أن تبني لها قواعد شعبية بين شيعة العراق”، مشدداً على أن “الخطير في الأمر أن هذه القواعد أصبحت مسلحة، وفوق القانون، وأقوى من الجيش العراقي”.
ويشير صهيب بذلك إلى مليشيا “الحشد الشعبي”، التي يراها من حيث القوة والتمكن والتغلغل تثبت لديه الاعتقاد “بأنها تصعّب على ترامب سحب البساط من تحت أقدام إيران الممتدة في العراق”.
ذلك التغلغل يدعو ترامب إلى “رفع سقف تهديداته ضد إيران”، وفقاً لصهيب، مشيراً إلى أن “ذلك يذكرنا بسلفه الأسبق، جورج بوش، الذي كان لا يدخّر مناسبة إلا ويهدد فيها بضرب إيران”.
الخليجية أون لاين