سجلت الساعات الماضية حالات غرق لقوارب المهاجرين أدت لغرق عدّة اشخاص وكأن البرد أثقل هذه المراكب ولا تريد إكمال مسير الإبحار الشاق وسط غضب البحر الذي يبدو أنّ المهاجرين قد أزعجوا سكونه.
“رامي” شاب فلسطيني يروي قصّة نجاته بعد غرق قارب أوائل تشرين الأول الماضي، في قصة يصف أنّ قصف الاحتلال الإسرائيلي أهون عليه من رحلة الموت بكل معنى الكلمة.
يشير لأول مرة يرى الوجوه الشاحبة التي ترى الموت أمامها دون أيّ حراك أو محاولة هرب في مساحة لا تتعدى أمتاراً وسط الخارطة.
يذكر أنّه عندما أزمع أمره بفكرة الهجرة أمام أهله، صدم أمّه وبدت إشارات الاستفهام واضحة على وجهها الذي يحكي تجارب الماضي والحاضر وخبرة السنيين في مكابحة معاناة التهجير والقمع على أيد الاحتلال، بقولها “يما يلي فينا مكفينا وين تريد تطعمي حالك للسمك، إعقل يابني وحاجة أفكار تعبانة”.
أجابها محاولاً إقناعها بكل هدوء وجلال أمامها، وكلّه أمل أن تكون راضيةً عليه فلا يستطيع الذهاب وترك أحن قلب ينزف دماً بجرح فعله.
يتمتم قائلاً “يما هوني عليّ شويا، ما في خطورة هي هالساعتين ونقطع البحر وبعدها يصير كلشي طبيعي، يما ولادي هون ما ضللهم تعليم ولا أمن على حياتهم، كل ما أسمع صوت طيارة، إلى أن انهارت على الأرض وتقول “الله معك يا رامي، الله يسهّل دربك، بدك تحرق قلبي مثل ما أخوك يلي مات أولي بقصف بيتنا.
أمام دموع الأم التي تجعلك بين نارين كلاهما أشد ضرامة، يودع أمه ويرتمي عند أقدامها وكأنه مولود يزحف طالباّ الدفء والحنان.
أمّن رامي مبلغ الرحلة الذي يبلغ نحو 4000يورو من بعض أشقائه، وخرج بعدها إلى تركيا ليتفق مع أحد المهربين على تأمين تكلفة الرحلة 3000 لإيصاله إلى إحدى الجزر اليونانية.
وصل مع مجموعة مهاجرين إلى شواطئ بودروم، وكأنّ البحر هنا يختلف عمّا كان يعهده، فالموج يروي قصص المهاجرين الذين غرقوا وكأنّ البحر لا يسمح لأيّ قارب بالعبور دون دفع حساب غالٍ وقربان له حسبما يصف.
تعرّف على لاجئين فلسطينيين ومن سوريا، جمعتهم قوارب الموت من جديد بعد أن فرقتهم أزقة السجون المظلمة.
اتفقوا مع المهرب لنقلهم بأحد المراكب السريعة، وكانوا عشرة، ويقول “عندما حان موعد الانطلاق تفاجأنا بوجود مركب صغير متهالك وكأنه تابوت جاهز”.
وكان جواب المهرب على احتجاجهم “إن لم تذهبوا الآن سوف أؤجلكم إلى وقت يناسبني وعلى كيفي، وكأنه يحاول الدفع بهم بالإجبار في سبيل دفع إتاوة للبحر لتسهيل عمله.
ركب العشرة المركب في رحلة الأمل، لكن الموج يرتفع، وهم أسرى المركب المتهاوي الذي لا يصلح سوى “كنّ للدجاج”.
أنفاسهم تفوق أصواتهم المرتجفة وسط ظلام لا شيء يحدّ طرفه أو يقطع سواده، لتصدم أمواج عاتية قلبت المركب والأصوات تعلو وتئن لا يرون شيئاً، لا يتحرك من أجسادهم سوى الأيدي والأرجل.
لحسن الحظ كان رامي وثلاثة شبان يعرفون السّباحة، فيما اختفت أصوات الباقين، لكن أحد الشبان كان منقذاً حاول سحب آخر يتقاسم معه أنفاس الحياة الضئيلة.
بدأ شعاع نور من بعيد يتجه صوب المكان، لا يُعرف أين كل واحد وسط تقلبات الأمواج.
يوضح رامي كيف أصبحوا ينادون حتى تم إسقاط الأضواء عليه واقترب الإنقاذ منه وأشار لهم “بأننا 10 بأصابع اليد”، لكن الأسى بدا واضحا ثلاثة أحبة كانوا على وجه الماء عائمين لا حراك لهم ولا صوت، تبين أنهم قد ماتوا.
أعلن خفر السواحل اليوناني عن غرق ثلاث مراكب شراعية تحمل حوالي 300 مهاجر خلال الساعات الماضية، انتشل منهم قرابة ثلاثين غريق.
قصة خبرية بقلم طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع