بما أن الأطراف المتنازعة تعددت على الأرض السورية، وأصبحت الحرب السورية قضية عالمية، لا يجدر بنا أن نندهش من تلك الوسائل المستحدثة، ومن ذاك الصمت العالمي المخزي، فالاجتماعات الدولية والمجالس والمؤتمرات الأممية، كانت سبيل الحكام أجمع للمماطلة بوضع حل للنزاع السوري، بينما الهدن المقامة بين قوات النظام والفصائل الثورية المعارضة، الوسيلة المعتمدة لاستمرار حكم الأسد وأنصاره.
لجأ النظام السوري إلى سياسة التجويع والحصار وقطع الطرق الحيوية المؤدية لكل المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، بهدف ابتزاز الثوار وإجبارهم على اتباع الرضوخ لشروطهم حتى لا تنتفض حاضنتهم الشعبية بوجهم، وبذلك يكون النظام حقق غايته أمام الدول الكبرى بأنه المبادر الساعي لحل سياسي داخل سوريا، للتخفيف عن المواطنين.
في بداية شهر مايو من عام 2014، حصلت هدنة بإشراف الأمم المتحدة في أحياء حمص القديمة المحاصرة قرابة السنتين من قبل النظام، كانت أهم بنودها إخراج 2400 مقاتل من الثوار خلال 24 ساعة إلى ريف حمص الشمالي مع إدخال مساعدات عبر الهلال إلى تلك الأحياء، بمقابل الإفراج عن ضابط روسي و21 إيراني كانوا أسرى لدى الفصائل الثورية المعارضة، ودخول قوات النظام إلى تلك الأحياء.
لم تقف الأوراق السياسية للهدن عند حدود مدينة حمص، بل ظهرت في دمشق وريفها، فهدنة تحييد مخيم اليرموك المحاصر عن القتال بواسطة منظمة التحرير الفلسطينية، الواقع جنوب دمشق بتاريخ 23 يونيو2014 والذي يحوي قرابة 18 ألف نسمة، جاءت لحاجة انسانية أولا فقد استشهد داخله بحسب المرصد السوري أكثر من 160 شخصا جوعا، تلتها حاجة النظام لتأمين محيط العاصمة، فأهم نقاط الاتفاق كانت خروج الثوار مع جبهة النصرة من الحي وإدارته من قبل قوات أمنية فلسطينية، وتسوية أوضاع المعتقلين فيه، بالإضافة لوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، بيد أن الهدنة التي جرت بأول الشهر الحالي في مدينة قدسيا المحاصرة بوساطة الهلال الأحمر ، تعكس وتؤكد نية النظام على حماية الخطوط القتالية الأقرب من العاصمة، ففي مقابل اشتراط النظام السوري على أهالي قدسيا وقف عمليات الخطف والقتل بحق العناصر الأمنية، وتأمين الحاجيات الأساسية من ماء وكهرباء ومحروقات وغيرها لهم، يتم إخراج الثوار منها على دفعات متتالية إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، علما أن 130 مقاتل قد وصلوا إلى مدينة كفرنبل في الريف الإدلبي بنفس اليوم.
فلما كانت جميع الهدن المذكورة أعلاه وسيلة ضغط من النظام على الثوار، انعكست الأدوار وأصبحت الأوراق لصالح الثوار، فبعد تحرير مدينة إدلب في 28 مارس/آذار، بادروا بحصار بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام ، ذو التركيبة الشيعية، ضمن حملة أطلقوها تحت مسمى نصرة الزبداني المحاصرة منذ ثلاث سنوات تقريبا، مما أجبر النظام وإيران على عقد هدنة مع الثوار بإدلب في 24 سبتمبر، مضمونها وقف القتال على جبهات الزبداني بالإضافة لإدخال مساعدات انسانية إلى سكانها، وإخراج المصابين من النساء والأطفال، تزامنا مع حظر الطيران عن مدينة إدلب والقرى المحيطة بالفوعة وكفريا لمدة ستة شهور قابلة للتمديد، مترافقة بفك الحصار عن القريتين الأخيرتين وإدخال ما يلزمهم من حاجيات.
فيما يبدو أن كثيرا من سكان المناطق الخاضعة للهدن غير راضين تماما عنها، مبررين ذلك، بأن لا شيء ملموس قد وصل إليهم من تلك المساعدات المتفق عليها، وأن النظام لا مصداقية له، لأنه خرق تلك الهدن عدة مرات وعاود قصف تلك المناطق.
لكن بما أن الهدن والمصالحات، سلاح متجدد لنظام الأسد لتمديد فترة حكمه وتأمين مناطقه وتجميع قواه العسكرية والبشرية للمعاودة بالرد الأقسى، لابد من إيجاد حل استراتيجي سياسي دولي جديد يضمن تنفيذ كل الاتفاقيات المبرمة داخل مناطق الهدن بين جميع الأطراف لضمان سلامة المدنيين.
محار الحسن ـ المركز الصحفي السوري