قلوب لا تعرف اليأس، ووجوه باسمة اعتادت أن تنشر الفرح أينما حلت، رغم ظروف الحياة القاسية، هن نساء سوريا المناضلات لم تقهرهن الحرب، ولم تثبط من عزيمتهن رغم أنهن في السابق كن يعشن مكرمات في بيوتهن لا ينقصهن شيء، فوجدن أنفسهن فجأة وسط دوامة من القهر والحرمان لتزيد عليها رحلة النزوح واللجوء معاناة إضافية.
“زينة” لاجئة سورية في تركيا من الزبداني في ريف دمشق أجبرتها الحرب على ترك منزلها والبحث عن ملاذ آمن مع عائلتها بعيدا عن القصف والذل والعيش تحت رحمة النظام، فهي كسائر نساء سوريا لا يعرفن الفشل ولا يقبلن الهزيمة، فكان المطبخ السوري بأكلاته الأصيلة والمعروفة في معظم دول العالم جواز سفر ومهنة ضمنت لكثير من اللاجئين خارج سوريا حياة كريمة بعيدا عن العوز والحاجة ومد اليد للغرباء.
تتحدث زينة من مطبخها الصغير المتواضع في مدينة إسطنبول التركية وعلى طاولتها لفائف ورق العنب “اليبرق” المعدة للطبخ، وأمامها عجينة الكبة لتصنع منها “الدراويش” المحشوة باللحم والمكسرات كما يسميها السوريون:” بعد وصولنا لتركيا صرفنا مدخراتنا على أمل أن يجد زوجي عملا نعيش منه، إلا أن جميع الوعود والآمال التي بناها لنا أقاربنا هنا مجرد كلام، ومعظم الورشات وحتى المؤسسات يفضلون من يتكلم اللغة التركية وبساعات عمل طويلة وأجر بسيط لا يكاد يسد آجار البيت المرتفع”.
تضيف زينة بعد أن أنهت مرحلة إعداد الطعام لتبدأ بطهوه وقلي الكبة:” الطبخ السوري مثلما يقول أجدادنا “نَفَس”، والأطباق السورية التقليدية لها محبّون في جميع البلدان، ولزوجي أصدقاء كثر هنا في إسطنبول، وفي بادئ الأمر كانوا يطلبون مني إعداد بعض الأكلات لتتحول بعدها لطلبات من المقربين، ومع الأيام تحول مطبخي لمصدر رزق لي ولعائلتي”.
تقول ضاحكة وهي تسكب “الشيشبرك” داخل العلب قبل أن توصله للزبائن:” في بعض الأحيان يأخذني الحال وأنسى أن أترك من الطلبات غداء لعائلتي، فاضطر للطبخ من جديد”.
تنسى زينة نفسها وهمها وحزنها على بلدها عندما تدخل المطبخ، فتطهو بكل حب لتكون أطباقها مميزة بالنكهة والطابع السوري العريق الذي يصعب على أي أحد تقليده، وتبيع أطباقها بسعر منخفض عن أسعار المطاعم ما جذب لها كثيرا من الزبائن السوريين وحتى من الأتراك نظرا لتشابه وتقارب الثقافات بين الشعبين، وبعد احتضان تركيا لأكثر من مليونين ونصف لاجئ ما أدى لاندماجهم بالمجتمع التركي وتبادل بعض الخبرات والثقافات بما فيها الطعام.
تقول زينة إن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بانتشار مطبخها واستقطاب عدد أكبر من الزبائن، وتقوم كل يوم بإعداد الأطباق التي يتم توصيتها عليها لتسلمها في موعدها، وتتفرغ زينة في أيام رمضان الأخيرة لإعداد حلوى وكعك العيد السوري كالمعمول بحشواته المختلفة بالتمر والجوز والفستق الحلبي والغريبة، وتقول أخيرا:” كلما فاحت رائحة المعمول بالسمن البلدي أتذكر سوريا والشام وطقوس الأعياد فيها، لا يسعني إلا أن أبكي وأدعو الله أن يكون عيدنا القادم فيها وأن يكون مكللا بالنصر والفرج بإذن الله”.
المركز الصحفي السوري – سماح الخالد