كانت سوريا قبل الأزمة رائدة في مجال الزراعة، لكثرة الأراضي وتوفر الأيدي العاملة والخبيرة في شؤونها، لكن الحرب الراهنة غيرت هذا الواقع، لتحول سوريا من الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى عدم كفاية الطلب المحلي، حيث أصبح المزارعون يخشون من الزراعة وتكاليفها، لتذهب أدراج الرياح بسبب القصف الذي دمر الأرض والحرث، وأحرق مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، ما أثقل كاهل المزارع وجعله يبتعد عن مهنته التي ورثها عن أجداده.
ويروي أبو خالد أحد مزارعي ريف حماة الشمالي الذي يتحدث عن الصعوبات التي تواجه الزراعة في ريف حماة قائلاً:” لم أعد أجرؤ على الإقتراب من الأرض التي أفنيت شبابي فيها، بسبب تمركز عناصر النظام فيها، واستهداف أي متحرك يقترب منهم، ونزوح غالبية بلدات ريف حماة التي تعتبر الخزان الحيوي للخضروات في الأسواق السورية”.
إن ما يعانيه المزارع أيضاً من ارتفاع أسعار الأدوية الزراعية والأسمدة، والتي تعد أهم مقومات الإنتاج، حيث تتأثر بتقلبات العملة السورية أمام الدولار الأمريكي، الذي يلجأ التجار إلى التعامل به في عمليات البيع والشراء.
حيث أفاد هشام صاحب محل للأدوية الزراعية في ريف إدلب بالقول:” إن الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات الزراعية بسبب غلاء الدولار أمام الليرة السورية، لأننا نشتري البضائع بالدولار ونضطر إلى بيعها به لتفادي الخسارة، وإن العامل الأهم في الغلاء هو التلاعب بالأسعار من قبل التجار الذين يجلبونها من تركيا بسعر زهيد وبيعها بأسعار خيالية لنا، وتأتي بعض الأسمدة والأدوية من مناطق سيطرة النظام بأسعار زهيدة، لكنهم يرفعون سعرها كما تشاء أنفسهم بحجة التشليح الكبير من حواجز النظام، فيستغلون حاجة المواطن لمآربهم الشخصية دون رقيب أو جهة قادرة على ردعهم”.
كما أن قلة الأمطار والتجفاف الكبير الذي حل بغالبية المناطق، دفع المزارع إلى تخفيف الزراعات التي تعتمد على المياه، والتوجه إلى الزراعات البعلية كبديل، لمساندتهم في تأمين بعض الدخل لأطفالهم.
أبو حسان مزراع في ريف إدلب يروي معاناة أقرانه بالقول:” إن ارتفاع أسعار المازوت الذي يستخدم لسقاية الأراضي عن طريق الآبار الارتوازية، دفعنا إلى التخلي عن السقاية وترك الأراضي للأمطار التي تهطل في فصل الشتاء، لكن هذا الشتاء مختلف عن المواسم السابقة، فقد أصبحنا في شهر كانون الأول ولم تهطل أي قطرة مطر، هذا ما دفعنا إلى التخلي عن زراعة الخضروات وباقي الزراعات التي تحتاج الماء، والبدء بزراعة الشعير الذي يتحمل العطش، لأننا نعتمد في معيشتنا على مدخول هذه الأرض”.
ويناشد المزارعون الحكومة المؤقتة أن تحاول ضبط أسعار السوق وتضع حداً لتحكم التجار، وتأمين الأدوية بأسعار تناسب كافة طبقات المجتمع السوري، لإعادة الزراعة السورية إلى سابق عهدها، وتأمين مستلزمات السوق بأسعار لا تتعب كاهل المواطن.
المركز الصحفي السوري ـ أحمد الإدلبي