عندما تمارس المرأة في ذات الوقت دور الأب، بالإضافة لدورها كأم فعندها تتحول بحق إلى امرأة حديدية، فما بالك إن كانت تلك المرأة من ذوي الإعاقة، فقدت نصف جسدها تقريباً، قدمها المبتورة و تحكمها بيدها الشبه مشلولة .
هذه قصة ” فاطمة أم أحمد ” .. المرأة التي ذاقت مرارة النزوح والتشرد من بيتها في ريف إدلب الجنوبي باتجاة مخيمات الشمال السوري، و لأن المصائب لا تأتي فرادة، بل تأتي مجتمعة، اضطرت فاطمة لترك المخيم والبحث عن منزل بسيط بعد إصابتها بالسكري واضطرارها الدائم لاستخدام الحمام.
قالت لنا أم إحمد ” أنا امرأة تعيش معاناة كبيرة بسبب وضعي المادي السيء و ابتلائي الجسدي، لكني رغم كل هذه الظروف، قررت تحدي الواقع ومجابه الحياة و الحمدلله انا اعتبر نفسي قد انتصرت في هذه المعركة “.
أم أحمد قررت أن تتحدى الظروف و هي الأم لتسعة أطفال، فعملت في الأراضي الزراعية وعملت في بيع البنزين على الطرقات، لتصل أخيرا للعمل في منزلها بسبب تدهور وضعها الصحي، فهي تحضر الوجبات لجاراتها الموظفات أو الملتزمات بعمل مقابل أجر زهيد، فهي تقوم بحفر حبات الكوسا، أو تصنيع المكدوس و غيرها من الأعمال الأخرى، و لكن رغم ذلك فهي تعاني الفقر الشديد و كثيرا ما تنام هي و ابناءها التسعة بلا عشاء.
قالت لنا ” أنا لا أسمح لابنائي بترك المدرسة والعمل، قلت لهم العلم هو طريقكم الوحيد للنجاح و أنا سأتولى أمور المصروف و النفقات “.
أم أحمد أقسمت أن تعلم ابناءها و ألا تسمح لأي أحد منهم ترك المدرسة، أمل منها بمستقبل أفضل لهم، فهي الأب وهي الأم و هي المسؤولة عن كل شيء، يحدثنا ” أحمد ” 14 عاماً، الابن الأكبر لفاطمة عن محاولته المستميتة لإقناع أمه بترك المدرسة ليساعدها في المصروف و لكنها ترفض باستمرار قال
” أمي ترفض فكرة عملي رغم أنني وعدتها بإكمال تعليمي لكنها أقسمت علي ألا اترك دراستي ” .
العائلة الكبيرة، تقتات يوميا على كيس خبز واحد يتألف من عشرة أرغفة لكل فرد من أفراد الأسرة رغيف واحد فقط، فأم أحمد لا تستطيع تأمين أكثر من هذا الرغيف لأطفالها، يحدثنا مصطفى أحد ابناءها عن طعامه المفضل وهو البطاطا المقلية، التي باتت حلم له ولإخوته، فهو لا ياكل منذ فترة طويلة إلا الرز والخبز ولا شيء آخر.
” أم أحمد ” .. ستبقى أيقونة التضحية بالنسبة لأطفالها و للكثير من النساء في مجتمعنا، فهي المرأة العصامية والمرأة الفولاذية، التي لا تسمح للظروف بهزيمتها أبدا .
بقلم : ضياء عسود