عاد الحديث عن “الفيلق الخامس – اقتحام” في محافظة درعا المدعوم من روسيا إلى واجهة الأحداث في الأسابيع الأخيرة، عقب تطورات ميدانية متسارعة، كان آخرها وصول وفد روسي من قاعدة حميميم إلى مدينة درعا، وعقده اجتماعاً حضره عناصر وقيادات في “الفيلق الخامس” في محاولة لتخفيف التوتر عقب مقتل عناصر من قوات النظام بهجوم من “الفيلق” نهاية حزيران الماضي.
ولقي اثنان من عناصر الفيلق مصرعهم في بلدة محجة في ريف درعا الشمالي الشرقي، أواخر الشهر الماضي، بعد اشتباكات مع عناصر حاجز “أمن الدولة” التابع لقوات النظام في مدخل البلدة، بينما قتل عنصران، بينهما ضابط برتبة رائد، من فرع “أمن الدولة”، ما سبّب توتراً امتد إلى مناطق عدة في درعا ينحدر منها القتلى والمصابون من عناصر الفيلق.
وعقب الاشتباك، استقدمت قوات النظام تعزيزات عسكرية قامت بحصار مجموعة الفيلق في البلدة، ما استدعى تدخلاً روسياً للتهدئة وفض الاشتباك وإنهاء الحصار.
التوتر في بلدة محجة ليس الأول من نوعه، فقد قتل تسعة من عناصر “الفيلق الخامس” في درعا في 20 حزيران الماضي، عقب انفجار عبوة ناسفة استهدفت حافلة كانت تقل 40 عنصراً من قوات “اللواء الثامن” في “الفيلق الخامس” في بلدة كحيل بالريف الشرقي لدرعا، وتطور الوضع إلى خروج مظاهرة كبيرة أثناء تشييع عناصر الفيلق في مدينة بصرى الشام، شارك فيها أعضاء في لجان التفاوض ووجهاء من المنطقة، طالبت بخروج إيران وميليشياتها من سوريا.
وخلال العزاء، قال قائد “اللواء الثامن” التابع لقوات “الفيلق الخامس” في درعا، أحمد العودة، إن “حوران ستكون قريباً جسماً واحداً وجيشاً واحداً لحماية حوران، وليكون الأداة الأقوى لحماية سوريا كلها”.
تصريحات العودة جاءت بالتزامن مع دعوات أطلقها المكتب الإعلامي في الفيلق لضم المزيد من العناصر إلى صفوفه من أبناء المنطقة الجنوبية، وقال أحد عناصر “الفيلق الخامس” في بصرى الشام، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لموقع “تلفزيون سوريا”، أن نحو 300 شاب من بلدة الجيزة في ريف درعا الشرقي التحقوا باللواء الثامن التابع للفيلق الخامس خلال الأسبوع الماضي، وتم نقلهم إلى مدينة بصرى الشام، معقل قوات الفيلق في الجنوب السوري، حيث سيخضعون لدورة تدريبية لمدة 15 يوماً، تتضمن دورات لياقة بدنية وتدريبات على السلاح الخفيف.
تعزيز للنفوذ وتوازن قوة مع إيران
شُكّل “الفيلق الخامس – اقتحام” في تشرين الثاني من العام 2016، تزامناً مع بدء النظام استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة عقب التدخل العسكري الروسي في سوريا، بهدف تغلغل ضباط الجيش الروسي في المؤسسات الحكومية والمدنية والعسكرية من جهة، ومن جهة أخرى موازنة النفوذ الإيراني على الأرض بقوة عسكرية مقابلة، يمكن الاعتماد عليها في المعارك مع فصائل المعارضة.
لكن هذا التوجّه لم يكتب له النجاح في البداية، حيث ضم الفيلق مجموعات غير متجانسة من ميليشيات الدفاع الوطني واللجان الشعبية والمتطوعين الذين يرغبون بالحصول على راتب جيد، أو موظفين حكوميين أو فارّين من الخدمة الإلزامية.
إلا أن التطورات العسكرية اللاحقة، وخاصة الحملة العسكرية على الجنوب السوري، ودخول الروس على خط المصالحات، أعادت التوجّه الروسي إلى الواجهة، حيث استطاعت موسكو، ومن خلال اتفاقيات المصالحة ضم مقاتلي بعض فصائل المعارضة ممن دخلوا في المصالحات إلى الفيلق، فضلاً عن الشبان الملاحقين من أجهزة النظام الأمنية والمطلوبين للتجنيد والذين وجدوا في الفيلق ملاذاً لهم.
وقال المحلل العسكري، العميد عبد الله الأسعد، في تصريح خاص لموقع “تفزيون سوريا” إن “روسيا ومنذ تدخلها في سوريا كان لها مصلحة كبيرة في تشكيل جسم عسكري جديد يعمل تحت إمرتها، ويكون الذراع الجديد لها في سوريا”، مضيفاً أن “ذلك الوقت كان يشهد فوضى أمنية هائلة، نتيجة لانتشار مجموعات الدفاع الوطني واللجان الشعبية وغيرها من الميليشيات التي تعمل بأوامر مباشرة من إيران”.
وأوضح العميد الأسعد، أن “جيش النظام تحول في ذلك الوقت إلى بقايا متهالكة ولا يستطيع القيام بأي عمل عسكري، في حين حظي الفيلق الخامس بدعم روسي ما أهَّله ليكون ذا قوة ونفوذ كبيرين تتجاوز جيش النظام”.
وأشار العميد الأسعد، أنه “بعد انسحاب المعارضة من الجنوب السوري، وفق اتفاق التجهير منتصف العام 2018، سعت إيران إلى تعزيز وجودها في المنطقة عبر إقامة قواعد عسكرية في مناطق عدة مثل اللجاة والصنمين وجباب ومثلث الموت، ما دفع روسيا للعمل على الحد من النفوذ الإيراني عبر دعم تشكيل الفيلق الخامس في الجنوب”.
ويعدُّ فصيل “شباب السنة”، بقيادة أحمد العودة، المكوِّن الأساسي للفيلق الخامس في الجنوب السوري، والذي انخرط في تسوية منفردة مع الروس، وافق الفصيل بموجبها على تسليم مدينة بصرى الشام، التي كانت تخضع لسيطرته، لقوات النظام، وانضمام عناصره إلى “الفيلق الخامس” تحت مسمى “اللواء الثامن”، وتنصيب أحمد العودة قائداً عسكرياً له في الجنوب السوري.
وللفيلق الخامس في الجنوب السوري معسكرات عدة للتدريب، أبرزها معسكر قرب بلدة جباب في ريف درعا الشرقي، وتتم فيه التدريبات العسكرية على السلاح الخفيف والمتوسط، وتحدثت تقارير إعلامية عن تزويد روسيا للفيلق بأسلحة حديثة ومناظير ليلية ودبابات ومدرعات عسكرية، فضلاً عن عربات محملة بصواريخ بعيدة المدى، ما أعطى الفيلق القدرة على السيطرة على طرق الإمداد خلال العمليات العسكرية.
إلا أن العميد عبد الله الأسعد نفى ذلك، وأكّد أن روسيا لم تزود الفيلق بأي سلاح، موضحاً أن “العتاد العسكري للفيلق لا يتجاوز بضع دبابات وعربات مدرعة استولى عليها سابقاً من اللواء 52 في بلدة الحراك، فضلاً عن سلاحه الثقيل والمتوسط الذي احتفظ به وفق تفاهمات مع الروس”.
صراع خفي على السيطرة
وشهدت محافظة درعا في الآونة الأخيرة تحركات روسية لزيادة أعداد عناصر “الفيلق الخامس” من أبناء المنطقة الجنوبية، ووفق مصادر محلية خاصة لموقع “تلفزيون سوريا”، فإن روسيا تستقطب الشبان للانضمام إلى الفيلق، وأكّدت المصادر أن الروس ينقلون مجموعات من المنضمين حديثاً للفيلق إلى معسكرات خارج المحافظة بغية تدريبهم وتجهيزهم عسكرياً.
وقال الصحفي هاني العبد الله لموقع “تلفزيون سوريا” أن “هذه التحركات تعتبر مؤشراً على أن روسيا تحاول تعزيز سيطرة الفيلق الخامس على معظم بلدات وقرى الجنوب السوري على حساب وجود قوات النظام والميليشيات التابعة لها”.
وأشار العبد الله الى أن “موسكو منحت قوات الفيلق الخامس صلاحيات واسعة لضبط الأمن في درعا، ومنع أي قوات أخرى من فرض نفوذها على المنطقة، بما فيها قوات النظام”، مشيراً إلى أن “الشهور الماضية شهدت اعتداءات كثيرة لعناصر الفيلق على عناصر تابعة للنظام في الجنوب السوري، لا سيما في ريف درعا الشرقي وعلى الحدود السورية – الأردنية”.
كما سبق تلك التحركات نشاط متواتر للفيلق الخامس في الجنوب السوري، بدا واضحاً من خلال تدخله في معظم الأحداث العسكرية التي تحدث في المنطقة، الأمر الذي اعتبره الصحفي عبد الله بمثابة “تحريض روسي للفيلق لردع الفلتان الأمني بما فيه تجاوزات قوات النظام”، مضيفاً أن ذلك “يدل على وجود صراع خفي على مناطق النفوذ يتصاعد بين الفيلق الخامس وقوات النظام ذات الولاء الإيراني مثل الفرقة الرابعة والأمن العسكري”.
العميد عبد الله الأسعد بدوره أكّد حقيقة هذا الصراع، خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، قائلاً “الدليل على ذلك انسحاب عناصر تتبع الفرقة الرابعة من حواجزها في ريف درعا الغربي منتصف الشهر الحالي، وتسليمها لعناصر من أهالي المنطقة منعاً للاحتكاك والصدام مع الفيلق، الأمر الذي يجعل الفيلق القوة الأكبر في درعا”.
وقال عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانة، أيمن العاسمي في تصريح لصحيفة “العربي الجديد” أن “الفرقة الرابعة تتبع رئاسة الجمهورية بولاء إيراني، بينما يتبع الفيلق الخامس لرئاسة الأركان ذات الولاء الروسي”، موضحاً أن “الفيلق يقدّم رواتب شهرية للمقاتلين تتراوح بين 150 و250 دولاراً شهرياً، بينما تمنح الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية رواتب محدودة بحسب الخدمات التي يقدمها العناصر، فضلاً عن امتيازات سلطوية أخرى في محافظة درعا”.
قاعدة شعبية بعيدة عن الثورة
وتحظى قوات “الفيلق الخامس” بتأييد شعبي متزايد جنوب سوريا، نظراً لانتماء معظم عناصره للمنطقة، فضلاً عن تدخل الفيلق في مناسبات عدة، أظهرت سلطته الواسعة في مقابل سلطة قوات النظام التي تسعى لزرع الفوضى الأمنية وترتكب انتهاكات متزايدة بحق المدنيين.
وبحسب العميد الأسعد فإن “معظم المقاتلين المنضوين تحت لواء الفيلق هم أبناء المنطقة الجنوبية، وتعيش عوائلهم في المنطقة، ما يجعل منها قاعدة شعبية للفيلق”، موضحاً أن “نحو 60 % من أهالي المنطقة هم حاضنة شعبية للمقاتلين ضمن الفيلق”.
لكن في الوقت ذاته، يشكّك كثيرون من أبناء المنطقة في ولاء عناصر الفيلق لمطالب ثورة الشعب السوري، معتبرين أنه “بعيد عن الثورة قريب من روسيا”، وأوضح المحامي عبادة المقداد، من أهالي بصرى الشام، في حديث مع موقع “تلفزيون سوريا” أن “مبادئ الثورة السورية ليست على أجندة الفيلق الخامس، ولا يتعدى كونَه أداة بيد روسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة”، وأضاف المقداد أن “عناصر الفيلق، وإن أظهروا عداءهم للنظام، إلا أن ذلك لا يعدو كونَه إثباتاً للوجود والسطوة”.
ويرى الصحفي هاني العبد الله، أن “مهام الفيلق الخامس تمثلت في القضاء على أي تحركات قد يقوم بها أبناء التسويات ضمن درعا ممن لم ينضموا للفيلق، والتي تشكل خطراً جديداً على النظام وروسيا، وهذا ما حصل حين ثار أبناء مدينة الصنمين على النظام في آذار الماضي، ما دفع أحمد العودة قائد الفيلق بمساعدة النظام، إلى السيطرة على المدينة، وإخراج مقاتلي المعارضة منها، عبر فرض اتفاق تهجير على المقاتلين الذين بقوا ضمن المدينة”.
بينما قال العميد الأسعد أن “ما يدل على ابتعاد الفيلق عن الثورة السورية وولائه لروسيا عدم وجود رايات الثورة السورية في تظاهراته التي انطلقت في مناطق عدة ضد النظام، وأبرزها تشييع الجثامين التسعة الذين قضوا في تفجير الحافلة في بلدة كحيل”.
وأوضح الأسعد أن “الفيلق يعمل بتعليمات روسية مباشرة، تأتي بعد التنسيق المباشر مع إسرائيل، بهدف لجم النفوذ الإيراني والقضاء على الخلايا النائمة لحزب الله اللبناني في مناطق الجنوب السوري وخاصة جلّين وحوض وادي اليرموك”.
نقلا عن تلفزيون سوريا