كتبت صحيفة الغارديان في تقريرها الذي ترجمه ” المركز الصحفي السوري ” إنه في صيف ٢٠٠٤، اقتاد الجنود الأمريكيون شاباً جهادياً مكبلاً بالقيود الى داخل أسوار سجن بوكا في جنوب العراق.
لقد كان متوتراً عندما اقتاده جنود أمريكيون عبر ثلاث بنايات ومن ثم عبر دهاليز مليئة بالأسلاك ليصل الى ساحة مفتوحة مليئة بسجناء يرتدون زي السجن ذي الألوان الصارخة، ينظرون إليه بحذر وأعينهم تراقب تحركاته.
“لقد تعرفت على بعضهم فوراً، هذا ما قاله. «كنت خائفا من سجن بوكا وبقيت أفكر فيه وأنا في الطائرة ولكنه كان أفضل مما توقعته.» وأضافت الصحيفة، دخل الجهادي الذي أطلق على نفسه أبو أحمد إلى سجن بوكا كشاب في العقد الماضي ولكنه الأن قيادي كبير في تنظيم الدولة .
لقد حصل على رتبة رفيعة مع زملائه الذين قضوا السجن معه، أن قصته لا تختلف كثيراً عن السجناء الآخرين الذين قبض عليهم الأمريكيين في المدن والقرى العراقية ثم نقلوهم بالطائرات الى سجن مجهول في الصحراء الذي ساعد في تكوين أسطورة الوجود الأمريكي في العراق.
ونقلت الصحيفة في تقريرها عن أبو أحمد قائلا: «إن السجناء كانوا يرتعدون خوفاً من سجن بوكا ولكن سرعان ما عرفوا أنه ليس سيئاً للغاية حيث أنه كانت الفرصة الذهبية التي وفرها لهم السجن تحت قيادة الجيش الأمريكي”.
لم يكن باستطاعتنا أن نجتمع في بغداد أو في أي مكان آخر بهذه الطريقة».
وأضاف: “لقد كنا امنين هنا في السجن. الأوضاع خطرة للغاية خارج اسوار السجن ولكننا هنا على بعد بضعة امتار من القيادة الرئيسية للقاعدة”. وأوردت الصحيفة عن أبو أحمد أنه التقى بأبي بكر البغدادي للمرة الأولى وهو ما يعرف الآن بأمير الدولة الأسلامية والذي وصف بأنه أخطر رجل في العالم.
قال أبو أحمد:” لقد توجه السجناء إليه منذ البداية ولكن لم يتوقع أحد أن يصل الى هذا المنصب”. كان أبو أحمد عضواً أساسيا في تشكيل تنظيم الدولة، أجبر على الإنخراط في المليشيات وهو شاب صغير بسبب الاحتلال الأمريكي الذي كان يريد تغيير القوى وإعطاء السلطة الى الأغلبية الشيعية على حساب السنة الذين كانوا القوة المسيطرة سابقاً وهو ما يعتقده ابو احمد واخرون. ان مشاركته في تكوين ما يعرف الآن بتنظيم الدولة الاسلامية أدت الى حصوله على مركز رفيع في الخلايا المستجدة التي تسربت من الحدود السورية.
يعتقد العديد من زملائه ان سقوط النظام في المنطقة ساهم بإعادة طموحهم في العراق والذي يعتبر الهدف غير المحقق بعد ولكن الحرب في سوريا اعطتهم ميداناً جديداً.
لقد أعاد أبو أحمد النظر في أفكاره بعد إندلاع الحرب في العراق وسوريا و في الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستستمر الى أجيالٍ قادمة مليئة ببحر من الدماء على أيدي رفاقه الأيديولوجيين.
ان وحشية تنظيم الدولة تتزايد بشكل كبير حسب وجهة نظر ابو احمد الذي بدأ بالتغير مع مرور الوقت حيث أعاد النظر حول تفسير القران وليس تطبيقه حرفياً. في بداية أيام سجن بوكا، هذا السجين والذي هو اليوم اخطر شخص في العالم كان اكثر عزلة عن بقية السجناء الاخرين الذين كانوا يرونه كشخص متحفظ وغامض.
إن هذا التأثير ساعده لفض الاشتباكات بين السجناء. «كان هذا كله جزء من تمثيله» يقول أبو أحمد.«أحسست انه يخفي شي غامض الذي في داخله الذي لم يرد أحدًا ان يراه. لقد كان مختلفًا جداً عن كل الأمراء الذين كانت معاملتهم سهلة. لقد كان منطويا وبعيدا عنا جميعا.» وذكرت الصحيفة في مقالتها ” ولد البغدادي إبراهيم ابن عواد البدري السامرائي في عام ١٩٧١ في مدينة سامراء العراقية. ألقي القبض عليه من قبل القوات الامريكية في الفلوجة في شهر شباط ٢٠٠٤، قام بمساعدة تشكيل المليشيات المسماة بجيش اهل السنة والتي انتشرت بين الجماعات السنية الثائرة حول مسقط رأسه”.
قال الدكتور هشام الهاشمي المحلل والمستشار الحكومة العراقية على ما يخص بالدولة الاسلامية: «لقد القي القبض عليه في منزل صديقه» لقد كان في منزل صديقه ناصيف جاسم ناصيف. ونقل الى سجن بوكا ولكن الامريكيون لم يتعرفواعلى هويتة الحقيقية. ولقد وُزِعَ رفاق البغدادي السجناء والذين هم اكثر من ٢٤٠٠٠ سجين على ٢٤ معسكر وكل هؤلاء السجناء لم يعرفوا هويتة الحقيقية.
كان السجن هرمي التقسيم وذلك يبرز من خلال ألوان زي السجناء حيث يتعرف السجانين من خلالهم على نوع التهمة. وكتبت الصحيفة عن ابو احمد قائلا : “دخل البغدادي سجن بوكا وهو يناهز ٣٣ من العمر و كان يشن حملة ضد الامريكيين والتي كان يحشد لها مليشيات من وسط وغرب العراق.
إن الاحتلال الذي جاء متقنعاً بحرب التحرير اصبح استعمارًا طاحنًا. حرم اهل السنة من راعيهم صدام حسين و بدؤوا القتال ضد القوات الامريكية وبعدها وجهوا بنادقهم الى المستفيدين من إطاحة صدام حسين وهم الاغلبية الشيعية. وذكرت الصحيفة أن مليشيات البغدادي تعتبر إحدى عشرات المليشيات التي ظهرت من الجماعات السنية المتمردة تحت راية القاعدة في العراق ومن ثم تحولت الى الدولة الاسلامية في العراق.
هوُلاء هم السلائف لما يُعرف الآن بالدولة الاسلامية والتي هي الان تحت قيادة البغدادي وتسيطر على وسط و غرب العراق وشرق سوريا. هذه القوة التي جذبت الجيش الامريكي الى المنطقة الهشة بعد ان انسحبوا قبل ثلاث سنوات وظنوا انهم لن يرجعوا إليها. كانت خلية البغدادي معروفة قليلاً خلال فترة سجنه التي قضاها في سجن بوكا وكان هو من الشخصيات الأقل تاثيرًا من قائد المتمردين امثال ابو مصعب الزرقاوي الذي يمثل الرعب الحقيقي في العراق واوروبا وامريكا.
لكن البغدادي عرف كيف يبرز شخصيته ويطغى على كل القادة الذين كانوا في بوكا و في كل أنحاء العراق و يُنسب اصل البغدادي الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحصل على شهادة الدكتوراة في الدراسات الاسلامية من جامعة بغداد الإسلامية. إعتمد البغدادي على كلا نسبه و شهادته لإعلان شرعيةالخلافة الاسلامية في تموز ٢٠١٤
ان التجسيد الاولي لتنظيم الدولة انخرط مع البعثيين الذين خسروا كل شي عندما اطيح بصدام حسين واصبح المبدأ «عدو عدوي صديقي» ولكن في بداية ٢٠٠٨ وهذا حسب ما قاله ابو احمد ومصادر اخرى ان هذه الاجتماعات اصبحت متكررة والعديد منها كان في سوريا.
ان الربط بين سوريا والمتمردين السنة في العراق كان مصدر قلق للحكومة الامريكية والتي اشارت اليه في اجتماعات عده في بغداد مع الحكومة العراقية. ان الحكومتين لعراقية والامريكية مقتنعون ان الرئيس السوري بشار الاسد يساهم في فتح الابواب للجهاديين والسماح لهم للطيران من الاراضي السورية وان المسوولين السوريين ساعدوا في عبورهم للاراضي العراقية وكما قال أبو أحمد : “ ان كل الاجانب دخلوا عن طريق سوريا. هذا امر معروف”
وأوردت الصحيفة في تقريرها أن حسين علي كمال مدير الاستخبارات العراقية وهو صاحب ثقة للامريكان مقتنعا مثل الامريكان ان سوريا وراء زعزعة الامن في العراق. لقد وصل الجنرال الى هذه النتيجة بعد عدة تحقيقات اجراها مع جهاديين الذين تم القاء القبض عليهم. خلال العام ٢٠٠٩، افصح الجنرال وذلك خلال لقاءات عديدة عن ادلته واستخدم خرائط توضح الطرق التي سلكها الارهابيون لعبور الحدود الى غرب العراق كما انه قال لي الاعترافات التي ساندت رحلات الارهابين وعلاقاتهم مع مسؤولين سوريين في المخابرات السورية.
عندما انحسرت عمليات تنظيم الدولة في العراق، اصبح مهووسا باجتماعين حصلا في سوريا عام ٢٠٠٩ والتي حظر بها جهاديين عراقيين ومسؤؤلين سوريين وبعثيين سوريين وعراقيين. اصيب الجنرال حسين بسرطان نادر في ٢٠١٢ وتوفي في بداية هذا العام وهو صرح لي بنشر حوارنا وقال: « قل لهم الحقيقة» وهذا خلال اخر مقابله معه في شهر حزيران.
اوضح ابو احمد للصحيفة من خلال المقابلة ان العلاقات السورية واضحة في العمليات التخريبية في العراق. «لقد عبر المجاهدين من سوريا. لقد عملت مع العديد منهم. ان اصحابي الذين كانوا معي في بوكا قدموا الى العراق عبر المطار في دمشق. وهناك عدد قليل جاء من تركيا او ايران. ان غالبية الذين جاؤا لمساعدتنا عبروا من سوريا.»
و يعتبر المسؤولون العراقيون خط التمويل الخطر الاساسي للحكومة العراقية والذي يعتبر العامل الرئيسي لتسميم العلاقات بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الاسد. كان المالكي مقتنعا ان بداية الحرب الاهلية هي خطة بشار الاسد لزعزعة نظامه وهي طريقة لاحراج الامريكان وان الادلة التي امتلكها في ٢٠٠٩ خلال مقابلته في دمشق ادت الى اشمئزازة من الرئيس السوري.
«كان مصدرنا في الغرفة مرتديا جهاز تصنت» قال الجنرال حسين. «كان هذا اكثر المصادر حساسية. حسب علمنا، هذه هي المرة الاولى التي حصل فيها لقاء استراتيجي على هذا المستوى بين كل الاطراف. هذه هي بدايه نقطه هامة في التاريخ.»
وكتبت الصحيفة عن آبو أحمد قائلا : أنه «عندما بدات الحرب الاهلية في سوريا تشتد لم يكن من الصعب ان ننقل خبراتنا الى معركة مختلفة. ان العراقيين يحتلون المناصب المهمة في الجيش وفي مجلس الشورى في الدولة الاسلامية الان وذلك بسبب تحضيراتهم لسنوات عديدة. لقد استخففت دور البغدادي كما استخف الامريكان به.»
وأضافت الصحيفة لقد بقي ابو احمد عنصرا في تنظيم الدولة وهو عنصر فعال في العمليات العسكرية في العراق وسوريا. لقد بين لي من خلال اللقاءات المتعددة انه باق في هذا التنظيم قسرا ولكنه يخشى المغامرة بتركهم.
ان الحياة في هذا التنظيم تعني السلطة، المال والزوجات والهيبة. ان كل هذه العناصر مغرية للشباب الذين يريدون القتال لهدف ما. ولكنها ايضا تعني القتل والسيطرة من خلال نظرتهم على العالم. قال ابو احمد ان هنالك العديد من الرجال مثله الذين انخرطوا للجهاد ضد الاحتلال الامريكي ولكنهم لا يومنون بان المظاهر الاخيرة في هذه الحرب الطويلة تبقى تمثل نفس النهج.
وختمت الصحيفة تقريرها الذي اطلع عليها ” المركز الصحفي السوري ” عن أبو احمد في تصريحه للصحيفة
«انها اكبر غلطة في حياتي اني انضممت اليهم» قال ابو احمد، ثم اضاف ان ترك التنظيم يعني الموت المؤكد له ولجميع افراد عائلته. ان البقاء في التنظيم وفرض نظرتهم الوحشية بالرغم من التبرء الجزئي منهم لا يزعج ابو احمد الذي يرى ان هناك خيارات قليلة له.
وقال أبو أحمد «اريدك ان تعلم اني اومن بالجهاد ولكن ما هي الخيارات التي املكها الان؟ سوف يقتلوني اذا تركتهم.»
وختم قائلا : «هناك اخرين الذين ليسوا ايدولوجيين» وهو يشير الى عناصر قيادية في تنظيم الدولة وهم مقربين الى البغدادي . «هؤلاء اشخاص بدؤوا من بوكا مثلي وبعدها اصبح الامر اكبر واقوى منهم. لا نستطيع التوقف الان. كل شي خارج عن ارادتنا وخارج عن ارادة البغدادي او اي شخص اخر في هذه الدوامه.»
رامي طيبة
المركز الصحفي السوري