بينما كنت أقلّب صفحات الفيسبوك أتتبّع أخبار المهجّرين السوريين في تركيا في ظلّ الهجمة الشّرسة ضدّهم من قبل بعض العنصريين الذين لا يعرفون رأفة أو رحمة ، صعقتني صورة للقاء الأب بابنه المقتول بعد فراق دام لعدّة سنوات.
فتحت الصورة المرفقة بالمنشور الذي يتحدّث عن ذلك اللقاء دامي القلب و منهك الروح ، ورحت أغوص في ملامح الأب المكسور قلبًا و قهرًا حتّى باتت قدماه لا تقويان على حمل جسده المنهك من قهر “العنصرية” و السنين.
كانت ملامح وجهه وما فيه من خطوط خطّها الزمن مع كلّ يوم غياب ما بين الأب وابنه الذي لا يتجاوز الـ 17 من عمره وقد خطا خطواته الأولى في رسم مستقبل مليء بالصعاب ، كيف لا وقد سار في طريق غربة صعبة لتأمين لقمة العيش له ولأهله القابعين هناك في أرض باتت تلفظ أبناءها عنوة بسبب عصبة من أنذال يتحكمون بها وبأهلها، شاهدًا على جبال من قهر متراكم أثقل كاهل رجل بات كلّ ما يملك بعد مقتل ابنه “اللهم أجرني من قهر الرجال”.
كان أخوا الأب يحاولان مساعدته للنهوض بمصاب ألمّ بالقرية كلّها ، فكيف يمكن لمن استقبل الحياة ولا زال في مقتبل العمر أن يعود مضرجًا بدماء كانت قد تكون أقل وقعًا لو أنّها هدرت على أيدي مجرمي حكومة النّظام بدل أيدي أولئك الحاقدين.
فارق أحمد الحياة وترك خلفه أبًا هدّه القهر و أمًا تذرف الدموع و تستذكر لحظات أمضتها معه مذ كان صغيرًا حتى أمسى شابًا في مقتبل العمر وقد نالت منه يد غدر دمّرت كلّ أحلام تلك الأم وخططها ربّما بالبحث له عن عروس كأوّل خطوة منها لرؤية أبنائه.
ربّما يتساءل الكثيرون ! “كيف لشخص أن يقتل طفلًا بريئًا لمجرّد أنّ قدره أنّه ولد سوريًّا وعاش القهر سوريًّا وها هو قد قتل بدم بارد وبلا أية رحمة أو شفقة فقط لأنه سوري!!!”
إنّه الحقد الأسود والعنصرية التي يتغنّى أصحابها بوطنيتهم “الكاذبة” وأنّهم من خلالها يدافعون عن جنسهم وحقدهم لا عن وطنهم الذي يضمّ مئات العائلات ذات الجذور المشتركة مع السوريين أنفسهم.
مات أحمد ولا يزال البعض من مسؤولي تلك الدولة بالتبرير لقاتليه بأنّه طيش أو غضب ألم بأولئك الفتية بعدما جرى من أحداث، ولكن من سيبرر لأبي أحمد وأمّه فلذة كبدهما التي خسراها ظلمًا وقهرًا.
إنّ قصّة أحمد هي واحدة من عشرات القصص للاجئين سوريين قتلوا أو هددوا بالقتل أو قوبلوا بعنصرية بغيضة وحقد دفين بلا سبب واضح سوى أنّهم سوريون.
العنصرية وحش يغرس أنيابه في أجساد الأبرياء ، وإن لم يجد ربما يغرس أنيابه في جسد حامله إلى أن يموت بغيظه من لا شيء.
قصة خبرية : محمد المعري