يُنظر إلى العلويين عادة على أنهم مؤيد قوي لبشار الأسد، ولكنهم الآن قلقون، ولم يعد جميعهم مؤيدين للنظام.
التأييد الشعبي لنظام بشار الأسد المنهك، اتجه إلى الجبال والوديان والمدن الساحلية من المنطقة الغربية للبلاد، حيث معقل العلويين، والمكان التقليدي للأقلية الدينية التي ينتمي إليها الأسد وعددٌ من كبار مساعديه.
يشكل العلويون نسبة لا تزيد عن 10-15% من سكان سوريا، وعادة ما يقدّمون كونهم مؤيد قوي للأسد؛ وحقيقة الأمر أن معظم العلويين يخشون سقوط النظام، إذ سيواجهون انتقامًا من الأغلبية السنية في البلاد، والذين قادوا المعارضة ضد الحكومة منذ آذار 2011.
ويعتبر كثير من السنة أن العلويين متواطئون مع نظام وحشي ارتكب الفظائع بحقهم منذ أن أسسه قبل أكثر من أربعة عقود، والد الرئيس الحالي، الراحل حافظ الأسد.
قضيت عدة أسابيع بين العلويين وذلك قبل أن تطردني حكومة الأسد، دون توضيح الأسباب، كوني كنت مراسل هذه الصحيفة هناك لعامين، رأيت خلالها قصصًا أكثر تعقيدًا ومؤلمة معظم الأحيان.
وساد لفترة طويلة اعتقاد بين تيار السنة الغالب، أن العلويين أتباع مذهب غامض بل ومبتدع. فالعلويين يؤمنون بأن علي ابن عم النبي محمد وشخصية تبجلها الشعية أيضًا، كان تجسيد للذات الإلهية التي تجلت في ستة أشخاص آخرين قبل خلافة علي في القرن السابع.
وفي السنوات الأخيرة، تأكد التشابه بين دين العلويين وإسلام الشيعة إثر تحالفات نظام الأسد مع إيران الشيعية وحزب الله، الميليشيا اللبنانية الشيعية المدعومة من إيران التي قامت بدور كبير في الصراع السوري؛ إلا أن العلويين عمومًا يتجاهلون الممارسات الدينية المرتبطة بالإسلام، في حين يحافظون على طقوسهم الخاصة سرًا.
كذلك اكتشفت خلال رحلاتي بأن تصنيف وجهات نظرهم السياسية في كثير من الأحيان ليس أقل صعوبة؛ فبعض العلويين يتحسر على الطريقة التي دفعهم بها الأسد ونظامه إلى مسار لا رجعة فيه في مواجهة السنة في البلاد.
ويخشى كثير من العلويين أن يكون مجتمعهم وصل نقطة اللاعودة، ولم يعد بإمكانهم البقاء إلا بحال قسّمت سوريا إلى مناطق أصغر، إحداها للعلويين.
في الأسابيع الأخيرة، تأكدت هذه المخاوف بعد سيطرة معارضين إسلاميين على عدد من المدن والمنشآت العسكرية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، منطقة يعتبرها العلويون خط الدفاع الأول لهم.
“إننا شهود على تفكك البلاد”، قال لي موظف حكومي علوي يبلغ من العمر 56 عامًا خلال الصيف الماضي في اللاذقية، المدينة الرئيسية على الساحل الغربي، وأضاف، “كثير ممن أعرفهم، خاصة من فقدوا أحبة لهم، مستاؤون، لكن قلةً يجرؤون على التصريح بذلك علنًا، لأن ذلك ينافي قناع المقاومة”.
في المناطق العلوية، التشكيك في سياسات الأسد يمكن أن يؤوّل أنه خيانة، وهذا صحيح خاصة أن ثوار وجماعات متطرفة، بما فيها الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، يواصلون إعدام الأسرى من الجنود العلويين، وعرض تسجيلات مصورة لعمليات القتل.
منذ بداية الصراع، فرّغ الجيش السوري بقدر كبير من الطائفة، وفقًا لمنشقين ومسؤولين مقربين من إيران، الذين قالوا إن ضباط الجيش العلويين أُعفوا من مناصبهم الاعتيادية وعُين مكانهم وحدات من رجال الميليشيات الموالية للحكومة وأعضاء أجهزة الأمن والاستخبارات، التي غالبًا ما يُشرف عليها حزب الله.
بينما حُشد عشرات الآلاف من العلويين في ميليشيات كقوات الدفاع الوكني أو تلك المرتبطة برجال الأعمال الموالين للنظام، وعادة ما يكون الحافز الأساسي هو المال، إذ أخبرني العديد ممن تواصلت معهم أن رواتب الميليشيات أكبر بضعفين إلى ثلاثة من تلك التي يحصل عليها ضباط الجيش.
“شعبنا عاطفي وفقير”، قال محام شاب من إحدى القرى الجبلية، مضيفًا “من المؤسف أن كل هؤلاء الشباب يموتون من أجل لا شيء”.
في مدينة مصياف، الواقعة على الخط الجبلي ذو الأغلبية العلوية، بينما يمتد سهل الغاب إلى الشرق، تحدثت مع بعض النساء الذين فقدن أزواجهن بين قتيل ومفقود، معظمهن كان يشعرن بالمرارة، وبأن النظام تخلى عنهن.
“لا أحد يهتم فيما إذا كان زوجي حيًا أو ميتًا”، تقول أم علي (39 عامًا)، مشيرةً إلى أنها فقدت الاتصال مع زوجها بعد أن أرسلته وحدة جيشه إلى المنطقة الشرقية من دير الزور في شباط 2012، كما لا تعلم إن كان مقتولًا أو أسيرًا لدى المعارضة.
التقيت بامرأة تدعي ربا فاضل، وأكدت على عمق الخلاف اليوم بين السوريين؛ السيدة فاضل (33 عامًا) علويةٌ من مصياف، وزوجها وائل بكور سنيٌ من الحولة، التقيا في حافلة عامة في دمشق وتزوجا عام 2008، رغم اعتراض أسرهم.
في أيار 2012، ذُبح أكثر من 100 شخص معظمهم من النساء والأطفال في الحولة من قبل الميليشيات العلوية في المناطق المحيطة بها، وعاثوا فيها فسادًا بعد اشتباكات المعارضة وجيش النظام، وفقًا للجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في جرائم الحرب داخل سوريا، واتهم نظام الأسد في ذلك الوقت المعارضة بمسؤوليتها عن المذبحة.
وبعد شهر، اختُطف السيد بكور، وهو ضابط برتبة دنيا في الجيش السوري (ومعظمه لا يزال من السنة)، قرب الحولة بينما كان في طريقة إلى مصياف لزيارة عائلته، وقالت فاضل إن أبناء عمومة زوجها كانوا جميعهم من المنشقين عن الجيش؛ استجمعت شجاعتي لأقول لها إنه اختُطف وقتل لأنهم يعتقدون أنه جاسوس للنظام.
لكن الجيش السوري رفض أن يصدقها، وقال إن زوجها من السنة وانشق ليلتحق بأبناء عمومته المعارضين، فحرمت من معاشها ونُبذت من قبل الطائفة العلوية، “بالنسبة لهم، أنا زوجة الإرهابي”.
كثير من العلويين غاضبون من نظام الأسد، لكن غيرهم يعلقون أنفسهم بمصيره، ويعتقد البعض إن إيمانهم وجبالهم من شأنها أن تحميهم.
ما يُدعى “صناعة المعجزة” عاملٌ أساسيٌ في العقيدة العلوية، إذ تنتشر الأضرحة المقببة لهؤلاء الرجال المقدسين في الجبال الساحلية.
في إحدى القرى، رأيت عائلات تتنزه وتقيم حفلات الشواء وتشرب شرابًا بطعم اليانسون (العرق) بالقرب من أحد تلك الأضرحة، وكان داخل القبر رايات خضراء من قماش الساتان، تحتضن بقايا رجل دين يدعي الشيخ محمد، وحول القبر كان هناك صورة كبيرة للرئيس الأسد ووالده الراحل.
وكتلك الصور هناك العديد من الملصقات على جوازات سفر العشرات من الشباب العلويين الذين قتلوا منذ بداية الحرب في سوريا.
كتبه سام داغر في وول ستريت جورنال نُشر في 25 حزيران، وترجمته عنب بلدي