ما زالت المعلومات متضاربة حول عدد القتلى الإيرانيين في حلب، والأكيد أن قوات الحرس الثوري الإيراني قد منيت بخسائر كبيرة هناك، وما يؤكد ذلك هو حالة الارتباك الإيرانية بالبيانات والتصريحات المتضاربة التي تتحدث تارة عن أن عناصر فيلق القدس قد قضوا خلال «حرب بالوكالة تشن ضد إيران».
وتصريحات أخرى تقول إنهم قد قضوا «دفاعا عن مراقد أهل البيت في سوريا»، حسبما أعلن حسين علي رضائي، مسؤول العلاقات العامة ب«فيلق كربلاء». أو كما قال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني بأن «إيران تستخدم كل طاقاتها لمحاربة ومواجهة الإرهابيين الذين يرتكبون الجرائم ضد الشعوب المضطهدة في المنطقة»، وبالطبع فإن كل تلك التصريحات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به كونها دعائية، والهدف منها هو مخاطبة الداخل الإيراني حيث لا يوجد من يصدق ما تقوله إيران، أو الأسد، ولا حتى «حزب الله»، إلا مناصروهم، الذين لا يخفون تململهم مما يحدث في سوريا.
وعليه فإن الخسائر الإيرانية في صفوف الحرس الثوري، فيلق القدس، أو غيره، متوقعة الآن، لكن الخسائر المستقبلية لإيران في سوريا، والمنطقة، ستكون أكبر، والدليل ما حدث ويحدث في العراق حيث لم تعد المعاداة لإيران هناك سرا، سواء من الشيعة العروبيين، أو السنة العراقيين، وهم نسيج كبير ومهم هناك، ومهما حاول البعض التقليل من حجمهم، ودورهم، وتأثيرهم. ولذا فإن ما حدث للإيرانيين بحلب أمر غير مستغرب، لكنه يشي بكيف سيكون مستقبل العلاقة السورية الإيرانية، حيث إن هناك دما، والدم لا يستهان به، خصوصا أن ما تفعله إيران هناك هو عدوان بحق السوريين، وتحديدا بحق الغالبية السورية التي يحاول الأسد وإيران تصويرهم بالإرهابيين، وهذا غير صحيح.
وطالما أن ليس في إيران نظام راشد، أو ساسة عقلاء، يقدرون عواقب ما يجري بسوريا، وعلى يد متشدديهم، فإن السؤال هنا هو: أين المجتمع الدولي؟ أين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، المتعهد الرسمي «للقلق»؟ لماذا لا يقوم ولو بتعبير عن القلق تجاه ما تفعله إيران بسوريا؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين الإدارة الأميركية؟ وأين الإدانات، والمواقف الأوروبية؟ لماذا ابتلع الجميع ألسنتهم تجاه ما تفعله إيران بسوريا، والقصة لا تحتاج إلى أدلة خصوصا مع عدد القتلى العسكريين الإيرانيين المتزايد بسوريا؟ أوليس الدم السوري دم حرام، ويجب أن يصان؟ خطورة كل هذا الصمت، والتساهل تجاه العبث الإيراني في سوريا، بل قل الجرائم، أنها تغذي الإرهاب، وتشعل جذوته كلما حاول البعض إطفاءها، وتقدم شباب المنطقة كحطب لتلك النار.
ملخص القول: إن الصمت الدولي على عبث إيران بسوريا يعد مؤشرا حقيقيا على عدم جدية المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، ومنع أسبابه، ونحن هنا لا نتحدث عن البعد الإنساني، وتلك قصة أخرى من الواضح أن لا أحد يكترث بها، وتلك مأساة أكبر، وأخطر.
الشرق الأوسط