قال عبد العزيز، أحد الأطفال الذين يعيشون بالمناطق المُحاصَرَة في سوريا، ويبلغ من العمر 10 أعوام، لصحيفة “الإندبندنت” إنَّ “والدتي لا تسمح لي باللعب في الشارع مع أطفال الجيران، ولكنها عندما علمت بأن هذا المكان تحت الأرض، سمحت لي بالقدوم هنا للعب”.
يأتي عبد العزيز للعب مع أصدقائه في هذه الأنفاق التي تشكل جزءاً من ملعب تحت الأرض يمكنهم قضاء الوقت فيه بأمان، بعيداً عن القصف المتواصل الذي تقوم به قوات النظام وحلفاؤها، حسبما نشرت صحيفة The Independent البريطانية.
هذا الطفل، عبد العزيز، والذي قُتِلَ والده في الحرب في سوريا، هو واحدٌ من أطفالٍ كُثُر يحاولون أن يعيشوا طفولةً طبيعية وسط هذا الصراع الذي لا ينتهي.
هذه الشبكة من الأقبية، والتي قام المتطوعون بتوصيلها ببعضها البعض تحت قيادة أحد طلاب الهندسة المعمارية، توفر للأطفال وآبائهم وقتاً آمناً للعب.
تجد بالمكان بعض السيارات الصغيرة معروضة في قفصٍ زجاجي مثبت داخل الحائط، كما قام المتطوعون ببناء منزلٍ صغير يلعب به الأطفال، وتجهيز حفرة صغيرة مليئة بالكرات، ومتنزه صغير كامل به إطارات للتسلق وأحصنة خشبية هزازة.
وفي أحد الأركان، يقوم المتطوعون بصنع الحلوى، بينما في مكانٍ آخر تم تثبيت أحد الدواليب الدوارة المستعملة على الحائط، وتم تزيين الحائط بلوحاتٍ ملونة من الأزهار والأشجار، لتُذَكِّر الأطفال بالعالم الخارجي الذي لم يعد آمنا بالنسبة لهم أو لغيرهم.
المتنزه الوحيد
قالت إحدى الفتيات الصغيرات لموظفي اليونيسيف أثناء زيارتها للمكان “أنا وأصدقائي نأتي إلى هنا لأن هذا هو المتنزه الأخير الذي ما زال يعمل، فالمتنزه الذي اعتدنا الذهاب إليه تمت مهاجمته، ولم يعد إلى العمل مجدداً”.
تحدثت صحيفة “الإندبندنت” أيضاً مع فتاة أخرى، تُدعَى ماسا وتبلغ من العمر 7 أعوام، وتسافر من مدينة مجاورة إلى المدينة هنا لتلعب في أمان. قالت ماسا “لم أكن خائفةً من القصف، لأن والدي أخبرني أننا في القبو”.
يزور أكثر من 200 طفل هذا المكان للعب يومياً، بينما في منطقةٍ أخرى مُحاصَرَة أيضاً توجد مدرسة تحت الأرض، توفر الفرصة لحوالي 50 فتاة لمواصلة تعليمهن.
قال ياسين، مصمم “أرض الأطفال”، أثناء حديثه مع اليونيسيف إنَّ المتطوعين قاموا بحفر الأنفاق بأنفسهم، ثم أضافوا إليها الأضواء المُلَوَّنَة والألعاب.
وأضاف “أردنا أن نحول الأنفاق من مكانٍ مرتبط فقط بالهجمات والخوف والرعب إلى مكانٍ ممتع يجذب الأطفال للعبور خلاله”.
الأطفال الذين يعيشون تحت الحصار
وقالت منظمة الأمم المتحدة إن العنف المتفاقم في العام الخامس للحرب في سوريا أدى إلى تضاعف عدد الأطفال الذين يعيشون تحت الحصار.
وتُقَدِّر الأمم المتحدة عدد الأطفال بحوالي نصف مليون طفل يعيشون في 16 منطقة مُحاصَرَة في أنحاء سوريا، تقريباً بلا أية مساعدات إنسانية أو خدمات أساسية، وبعضهم يعيش في هذا الوضع منذ سنتين.
وقال أنتوني ليك، المدير التنفيذي لليونيسيف، معلقاً على الوضع بسوريا إنَّه “بالنسبة لملايين البشر بسوريا، أصبحت الحياة كابوساً لا ينتهي، وخاصةً بالنسبة لمئات الآلاف من الأطفال الذين يعيشون تحت الحصار. الأطفال يُقتَلون ويُصَابُون، ويخشون بشدة الذهاب للمدرسة أو حتى اللعب، ويحاولون البقاء على قيد الحياة مع قلة الطعام ونُدْرَة الدواء. هذه ليست طريقة للعيش، وعددٌ كبيرٌ منهم يموت”.
تقع مسؤولية حصار تلك المناطق على قوات بشار الأسد وحلفائه، إلى جانب المقاتلين بائتلاف جيش الفتح وتنظيم داعش.
وكان الضغط الدولي قد أدى إلى وصول المساعدات إلى مدينة مضايا التي يسيطر عليها الثوار ومدينتي كفريا والفوعة الشيعيتين مبكراً هذا العام، وذلك بعد ظهور أدلةٍ على حدوث مجاعة بهذه المناطق، ولكن تظل مناطق عديدة معزولة بسبب القتال بها، وذلك مع حاجتها الماسة للمساعدات.
وتُقَدِّر منظمة اليونيسيف -والتي تطالب جميع الأطراف في الصراع برفع الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية غير المشروطة- أن حوالي 100 ألف طفل يعيشون تحت الحصار في حلب الشرقية وحدها.
تقع المناطق التي تتحكم بها المعارضة في مدينة حلب المنقسمة تحت حملةٍ مكثفةٍ حالياً تقوم بها قوات النظام السوري لطرد الثوار خارج المدينة، والتي يعتبرها النظام معقلاً رمزياً له، وهي خطوة الهدف منها توجيه ضربة قوية للحالة المعنوية للمعارضة.
وقالت قوات الأسد أنَّها استطاعت يوم السبت، 26 نوفمبر/تشرين الثاني، الاستيلاء على حي آخر تابع للثوار. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان بالمملكة المتحدة إنَّ قوات النظام تمكنت من السيطرة على معظم حي هنانو، والذي كان أول حي في حلب يتمكَّن الثوار من السيطرة عليه عام 2012.
ويقول المراقبون إنَّ حوالي 357 شخصاً قد قُتِلُوا في المدينة والمناطق المجاورة منذ استئناف قوات النظام لهجماتها في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك مع ذعر وتحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
هافينغتون بوست عربي