“إلي ماله حظ لا يتعب ولا يشقى” مقولة يرددها رامز الخطيب محمرّ العينين جاحظتين، ويداه ملطختان بكثير من الغبار وزيت السيارات والشحم وبقايا وبقايا.. يردد مقولته أربع مرات وأنا أقف أمام محل المكنسيان أبي عبدو، (ملك إصلاح السيارات بنوعيها البنزين والمازوت)، كما خط على باب محله الكبير.
“انقطع الحبل معي مرتين، وأنا أشحط هاي السيارة وما بقى لاقي حدا يشحطني لعندك، وهلق ع تقلي مانك فاضي، اتركها هون أسبع أو خدها لعند غيري، يا أخي كنت قلي من لما حكيت معك من البارحة “مانك فاضي” كنت تركتها محلها وحطيت فوقها لتر بنزين وحرقتها”.
حال رامز الخطيب كحال كثير من أبناء مدينة كفرنبل وكثير من أبناء المناطق المحررة ممن سارعوا في ظل الثورة إلى شراء أنواع جديدة من السيارات الأوروبية؛ ظانين أنهم سينتقلون من مرحلة الدراجة النارية (الموتور) إلى مرحلة السيارة الأوربية وما فيها من خدمات ورفاهية لكن الحظ نادرا ما يحالف أحدا منهم… لأنهم اصطدموا بمشكلات غير متوقعة أو حتى غير معروفة بعد شراء تلك السيارات.
يقول رامز الخطيب “بعت الموتور لأن عيلتي كبيرة والموتور ما بيشيلنا وبدي اضطر وصل الأولاد على مرتين قلت بجيب سيارة رخيصة وبخلص من هاد الحكي ما في بالي بدو ايصير فيي هيك”.
يكمل رامز حديثه مع ارتجاف واضح بحاجبيه وعصبية تغزو جسده المضطرب حتى إنه لم يلحظ نفسه كيف قذف بقطع الحبل الممزقة إلى وسط الشارع دون أن يشعر بقباحة ما فعل “ما مشت السيارة 200 كم إلا بدأت ترتفع حرارتها وصار في المحرك صوت وتبخير وبعد شهرين بدلت الطرنبة- يلتفت نحوي بعصبية واستهجان- 200 ألف يا رجل حطيت حقها كل السيارة ما فيها مليون، والطرنبة – ويشير بيديه- هلقد قدها كيف حقها 200 ألف ما عرفت وياريت بس هون، وكمان ما في حدا بيعرف يصلّح قال هاي كهربا وبخاخات وحساسات.. منشان حساس درت الدنيا من كفرنبل للمعرة لسراقب رحت لسرمدا وما لقيت، قال جابولي واحد مستخدم من النت.
يصمت ويتنفس الصعداء ثم يتابع “أنا كان أشرف لي ابقى ع الموتور وبلا الموتور كمان امنعتبرها تمشاية.. رياضة.
يحمل المعلم “أبو عبدو الخالد” مفكه بعد أن نفض بدلته من الغبار الذي علق به من آثار انبطاحه أكثر من ساعة كاملة تحت سيارة هي الأخرى أوروبية لكن يبدو أنها أكثر رفاهية من سيارة الأخ رامز يقول “كل الناس بيجو بيطلع خلقهم علينا ليش مانا ع نصلح وخود يحكوا علينا..
يا أبو حسين – يقصد رامز- قلتلك سيارتك كهربا ومالها قطع بيعها من لما جبتها قلتلي أنا ابتليت فيها ما ببلي فيها حدا، طب استحمل، ليش ما اشتريت (بيك آب زاز) من الأول وخالص يا عرب”.
يتوجه أبو عبدو تجاهي مبتسما، فوجهت له السؤال مباشرة لماذا كل هذه المعاناة وبل لماذا كل هذا التذمر من الأوروبي يقول “الأمر ما بدو معلمية المشكلة لدينا بالدرجة الأولى، السيارات الأوروبية (مدللة) يعني ما ابتمشي على المازوت المكرر ولا البنزين المفلتر ونحن بالمناطق المحررة ما عنا غير هاد أما النظامي من حماه فلا يصل إلى مناطقنا إلا وقد تم غشه عشرات المرات، وقد يصل أسوأ من المفلتر، إضافة إلى سوء الطرقات ورداءة تخديم الشوارع، فلا يوجد في مناطقنا طريق واحد خال من آثار الهاون والصواريخ أو حتى آثار جنازير دبابات النظام أيام كان الجيش عنا، لذلك بعد أقل من 100كم تبدأ السيارة بإصدار أصوات مختلفة من الدوزان والرومان والصاج وغيرها.. هذا من جانب ومن جانب آخر لا ننسى تطوّر السيارة تقنيا وليس لدينا خبرات كافية لتصليحها”.
أمام كل هذه التحديات (ما العمل؟) سؤال يطرح نفسه على شريحة كبيرة من المجتمع المحلي ممن أقدم على هذه الخطوة غير محسوبة النتائج.. يمكن أن نجد لدى أبي عبدو المكنسيان حلا وإن كان إسعافيا “فبدلا من التوقف في طوابير، وإنفاق أموال كبيرة لتصليح السيارات الناتج عن رداءة الطرقات يمكن أن يتم جمع الأموال نفسها وإصلاح الطرقات نفسها ما يحد لسنوات من إنهاك هذه السيارات والسيارات التي ستأتي في المستقبل”.
المركز الصحفي السوري- علاء العبدالله