فجّر أردوغان الموضوع خلال مأدبة إفطار في مدينة كيليس الحدودية التي يتجاوز فيها تعداد السوريين عدد سكانها الأتراك، وعاشت الكثير من التوتر بين الجانبين أثناء تعرضها لقذائف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، خلال الأشهر الماضية.
وشارك لاجئون سوريون في الإفطار، إلى جانب عوائل الضحايا الأتراك في المدينة. وبعدما شكر أردوغان سكان كيليس وباقي المدن التركية على حسن استقبالهم للاجئين، توجه إلى هؤلاء ليؤكد عدم وجود أي تغيّر في الموقف التركي الداعم للثورة السورية، ورحب بهم قائلاً: “إن تركيا هي وطن للقادمين من سورية… أعتقد أن من بين الإخوة السوريين من يرغب بالحصول على الجنسية التركية، وهناك إجراءات اتخذتها وزارة الداخلية التركية، وتم إنشاء مكتب خاص لمتابعة هذا الأمر، وتقوم الوزارة بفعل ما بوسعها، لتقديم المساعدة والدعم لإخوتنا ومنحهم فرصة الحصول على الجنسية”.
وذكرت صحيفة “ميلييت” التركية، الإثنين الماضي، أن 5000 سوري حصلوا بالفعل على الجنسية في الفترة الماضية، وهو ما يبدو رقماً منطقياً خلال خمس سنوات، حيث حصل على الجنسية السوريون من ذوي الأصول التركية، سواء كانوا عرباً أو تركماناً أو أكراداً، وهي سياسة تتبعها السلطات التركية إزاء كل فرد يثبت جذوره التركمانية، وليس فقط من السوريين. وأشارت “ميلييت” إلى أن التسهيلات لمنح الجنسية ستتركز في عملية تسريع الإجراءات الرسمية للسوريين بالتحديد، بعد الحصول على الموافقات الأمنية من قبل مديريات الأمن والاستخبارات التركية، مع احتمال اقتراح الحكومة لتعديلات في القانون الخاص بشروط منح الجنسية، ستعرض على البرلمان بعد عطلة العيد، من قبل وزارة الداخلية، حيث ستتركز على تخفيض مدة الإقامة المطلوبة في تركيا للسوريين من 5 سنوات غير متقطعة إلى 3 سنوات، كما سيتم إعفاء السوريين ممن تجاوزت أعمارهم 22 عاماً من الخدمة العسكرية، مع الإبقاء على الخدمة العسكرية لمن هم ما بين 18 و22 عاماً.
وتشير شروط الحصول على الجنسية للأجانب في تركيا إلى أن من يحصل على الجنسية “إما أن يكون بلا وطن، أو بالغاً وراشداً حسب القانون التركي، أن يتمتع بالأخلاق وحسن السلوك، أن تكون مدة إقامته عند تسجيل طلب الجنسية خمس سنوات مستمرة، أن يكون صاحب عمل ويستطيع تأمين احتياجاته الشخصية ولا يكون عالة على أحد، وألا يشكل خطراً على أمن الدولة، وأن يكون قادراً على التحدّث باللغة التركية بشكل مقبول”.
وأكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، الإثنين الماضي، أنه سيصبح ممكناً منح الجنسية “للأشخاص الذين يساهمون في نمو تركيا”، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية أدرجت أسماء اللاجئين السوريين في سجلاتها، وأنها استطاعت خلال الفترة الماضية إكسابهم شعور الحس بالوطنية تجاه البلاد، من خلال تعليم أطفالهم في المدارس التركية، ومنحهم إمكانية العمل ولو بشكل جزئي.
تأثير التجنيس على تركيا
أثارت تصريحات أردوغان المفاجئة في توقيتها جدلاً كبيراً في صفوف الأتراك؛ وبعد توالي حملتين على وسائل التواصل الاجتماعي بين معارض لمنح الجنسية ومشدد على الأخوّة التي تجمع بين الأتراك والسوريين، لم يفوّت حزب الحركة القومية (يميني قومي متطرف) الفرصة، فشن زعيم الحزب، دولت بهجلي، هجوماً شعبوياً على تصريحات أردوغان، قائلاً: “يجب أن تكون الجنسية التركية مسؤولية ومجداً وأن يكون لها ثمن، وقبل أن يحصل أحدهم على الجنسية التركية يجب أن يستحقها”، متهماً أردوغان “بالتقليل من قيمة الجنسية وقيمة دماء الشهداء الذين بنوا هذا الوطن سعياً وراء أهداف انتخابية”.
وعاد أردوغان، يوم الثلاثاء الماضي، وأدلى بتصريحات أكثر دقة، مشيراً إلى أن منح الجنسية التركية للاجئين السوريين، سيكون لذوي الكفاءات منهم فقط، للحفاظ عليهم في البلاد. ولم تعلق باقي أحزاب المعارضة التركية على الأمر، والتزم كل من حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) وحزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) الصمت، ولكن يؤكد المراقبون أن جميع أحزاب المعارضة ستعارض أمر تجنيس السوريين جميعاً، لأسباب عديدة، يأتي على رأسها بأن تجنيس ما يقارب ثلاثة ملايين سوري سيعني دخول مليون ونصف مليون ناخب جديد، وبالتالي سيشكلون، بحسب تقارير إعلامية، نسبة 2 بالمئة من الأصوات التركية مستقبلاً، وسيصوّت معظمهم بطبيعة الحال لحزب العدالة والتنمية، وذلك في الوقت الذي لم يتوقف فيه الحديث عن إمكانية لجوء “العدالة والتنمية” إلى انتخابات مبكرة لرفع عدد مقاعده في شهر أكتوبر/ تشرين الأول أو نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين، في حال فشل في تمرير الدستور الجديد بنظام رئاسي.
ويؤكد الأستاذ المساعد في العلوم السياسية، مراد أردوغان، لـ”العربي الجديد”، مخاوف المعارضة التي يرى أنها ستجتمع على رفض منح الجنسية للسوريين. ويقول أردوغان، وهو مدير مركز دراسة السياسات والهجرة في جامعة حجة تبة، في أنقرة، وكذلك مركز دراسات الاتحاد الأوروبي: “يستطيع الرئيس التركي بموجب القوانين أن يمنح الجنسية التركية بشكل منفرد، ولا أحد يستطيع أن يمنع ذلك، وأعتقد بأن الأحزاب المعارضة جميعها سترفض منح السوريين الجنسية التركية، لعدة أسباب، يأتي على رأسها أن هؤلاء الناخبين الجدد سيكونون من حصة العدالة والتنمية، وأيضاً بسبب الهزة الذي سيحدثها تجنيس ما يقارب مليونين ونصف مليون عربي سني، سواء من ناحية التوازن الإثني أو المذهبي المهتز أصلاً في تركيا”. لكن أردوغان أعرب عن شكه “في قدرة المعارضة على فعل أي شيء في البرلمان أو حتى عبر المحكمة الدستورية العليا إن اتخذ (الرئيس) أردوغان القرار”. في المقابل، يؤكد مراقبون بأن “الشعوب الديمقراطي” قد لا يعترض على الخطوة، لأن زيادة عدد الأقليات في تركيا سيمنح طرحه الأيديولوجي حول “الشعوب الموجودة في تركيا” وحقها في التعلم بلغتها الأم المزيد من الشرعية على المدى البعيد.
العربي الجديد