معادلةٌ غير متكافئة ومساواة ظالمة، فرضها المجتمع الدولي بتجاهله وغياب إنسانيته لشعب ٍرفض الخضوع لحكم الظالم المستبد، من تمسك بكرسي السلطة لأكثر من أربعين سنة، ليمارس بحقهم أفظع الاساليب وأكثرها تعسُّفية و انتهاكاً لحقوق الإنسان.
منذ اندلاع الثورة في عام 2011 و النظام يسعى لفرض هيمنته على شعبه الأعزل، الذي خرج مطالباً العيش بحريةٍ وكرامة، مستخدماً الأسلحة الفتاكة لإثارة الخوف و إجبارهم على السكوت عن حقه والرضوخ لجبروته وسطوته، ليجد الشعب نفسه في أماكن عشوائية تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
فتراهم إما بين الأشجار أو تحت الجسور المهجورة أو بين الصخور المخيفة، ليالٍ و أيام سوداء ذاق مرارتها الشعب السوري، من نساءٍ وأطفال وشيوخ، بلا رقيب ولا منصف، حتى أنه بات مخيراً إما أن يواجه القصف بصدر عارٍ أو أنه يسكن في أرض ليست له مجبراً على العيش في ظروفٍ إنسانيةٍ قاسية، فمن ظلم النظام إلى ظلم المنظمات التي باتت تستغل وجود النازحين لسرقة حقوقهم وحصصهم الإغاثية.
معظم النازحين قضوا فتراتٍ طويلة بلا مأوىً يقيهم برد شتاء وحرَّ الصّيف، فمنهم من سكن الاسطبلات أو الأقبية المتعفنة فلا تتدخلها أشعة الشمس، و منهم من بقي تحت ظل الأشجار، أما قسم منهم فقد أوى لخيمةٍ لا تغني و لا تسمن من جوع، يعاني الليل الطويل.
فهنا خيمة يسكنها مسنّ ليربي وزوجته العجوز أحفادهما الذين فقدوا والديهم بسبب القصف، وتلك تسكنها أمّ فقدت زوجها و باتت تبحث عن أي عمل يسد جوع أطفالها، و أخرى لمن فقد عمله في أرضه والتي كانت تؤمن له دخله السنوي ليبقى تحت وطأة البطالة والفقر.
عند كل نازح قصة من العذاب والآلام، يبكي الحاج حسين وهو يروي قصة نزوحه من بلدته بسبب قصف النظام للبلدة، ليسكن مع عائلته التي تبلغ 5 أفراد في غرفةٍ لا تتجاوز خمسة أمتار، لم يجدوا من يطعمهم رغيف خبز، حتى حال بهم الجوع لأن يذبحوا قطة و يأكلوا لحمها كما تسببت له هذه الغارة بأذية في الأذن والأطراف، و اضطر للانتقال إلى مكان آخر لوحده، بعدما فقد عائلته بغارة جوية ليأكل مما يقدمه له جيرانه و يقول بحرقة ” أنا ابن آدم .. أنا مسلم “، و عيونه تذرف قهراً وحرماناً.
تقول الأخت ( ج،ع) أعيش في خيمة صغيرة أنا و زوجي المقعد، بسبب إصابة حربية في قدمه و أمه المسنّة مع أولادي و أولاد زوجي المتوفاة أمّهم منذ سنوات و بسلة إغاثية واحدة، نريد أن نؤمّن احتياجاتنا اليومية ولا يحق لنا أن نأخذ سوى ربطة خبز واحدة، فكيف ستكفي ربطة خبز عائلة مكونة من تسعة أشخاص خلال يومين؟!؟
معظم العوائل في المخيمات السورية، والتي تقول منظمة الأمم المتحدة بأن عدد النازحين قد تجاوز 2 مليون، يعيشون بدون مساعدات إنسانية، و مما يزيد الوضع سوءاً، المخيمات المتلاصقة المكتظة بالكبار و الصغار و التي بسببها يخشى من كارثة تفشي فيروس كورونا.
وفي السياق ذاته، قسمٌ كبيرٌ من الفارين من بطش النظام، رأى أن اللجوء إلى دول الجوار قد يحميه و يعطيه فرصة للحياة هو و أولاده غير آبهٍ بركوب البحر بقوارب مطاطية معظمها غرق ومات كل ما فيها، بحثاً عن القليل من الأمان، و لكن كيف يحصل عليه طفل يعمل بائعاً للمناديل أو قطع الحلوى أو يعمل لدى المزارع وهو يتعرض للعنصرية والإهانات؟
أم كيف تسري قوانين الأمم المتحدة التي تتعلق بحقوق الانسان عموماً و باللاجئ خصوصاً و التي منها:
-عدم التمييز العرقي أو الديني والمنشأ
-تأمين الإقامه، فاللاجئ القسري يكون مقيماً في الدولة التي لجأ إليها و تعتبر فترة مكوثه القسري شرعياً.
– المهن الحرة و حسب الشهادة الحاصل عليها.
-الإسكان
-الإدارة العامة و تشريع العمل والضمان الاجتماعي.
وغيرها من الحقوق والواجبات التي أقرتها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، إلا أن اللاجئ السوري أصبح الحلقة الأضعف و الخاسر الأكبر، بعد تحوله لورقة مساومة وضغط من جهة ومسرحٍ للاتفاقيات الثنائية، يصبح بدورها مصدر لجلب الدعم إلى بعض الحكومات المستضيفة له من جهة أخرى، و بحسب الإحصائيات، فقد تجاوز عدد السوريين المهجرين داخلياً وخارجياً قرابة
13 مليون سوري.
أما عن حقوقهم وحسب مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان يقول “إنهم مدنيون أجبرتهم الحرب على مغادرة الدولة إلى دول أخرى للحفاظ على أرواحهم وأرواح أطفالهم”، و يتابع مدير الشبكة بقوله ” تصريح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي جاء فيه تأكيده على ضرورة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم، معتبراً أنهم يهددون وجود لبنان وأن فكرة إدماجهم على الأراضي اللبنانية تزيد خطر الارهاب، و بهذا التصريح نجد العنصرية و مخالفةً للقوانين الدولية ناهيكم عن بعض الإعاقات الحكومية التي يتعرض لها اللاجئ السوري والذي يفترض وصوله إلى الجهات المختصة للإشراف عليه.
وعلى صعيد موازٍ، فالانتهاكات التي ترتكب بحق اللاجئين السوريين مخالفةً للقانون الدولي بحسب تعبير مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
بنفس السياق تتزايد الضغوطات من قِبل الحكومات العربية على اللاجئين في لبنان أو الأردن أو العراق، حيث أن تلك الأطراف تريد التخلص من أزمة اللاجئين بأسرع وقت ممكن، عبر دفعهم للعودة سواءً بممارسه الضغوط أو المضايقات، و ذلك بعد تمتعها بعلاقات جيدة مع نظام، أما بالنسبة لتركيا فقد طبقت بدايةً سياسة الحدود المفتوحة مع اللاجئين السوريين لكنها أغلقتها في عام 2015 مع سوريا تاركةً واحد ونصف مليونٍ سوري محاصرين مع القليل من المساعدات في مخيمات النزوح القسري في محافظة إدلب وحلب.
السوريون اليوم لا يطالبون باللجوء للدول الأخرى ولا يرون أن سلة إغاثية ستنسيهم بلدهم الذي هاجروا منه، هم يريدون حكماً عادلاً وحياةً كريمة، وذلك بالعوده إلى بلادهم فقالوا في شعاراتهم ” أعيدوني لبلدي و أنا أكفي المنظمات من خيراتها “.
بقلم: فداء معراتي