تفاقمت الجهود الدبلوماسية التي بُذِلت يوم الإثنين الماضي لعزل قطر بسرعة كبيرة، حتى وصلت إلى أزمة إقليمية تهدد باستقطاب كل من تركيا وروسيا وإيران، إلا أن وجود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعطاها زخماً بالغ الأهمية من أجل تسوية الأزمة التي عزلت الدولة الصغيرة المُصدِّرة للغاز.
الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، السفير القطري لدى أميركا، أخبر صحيفة فايننشيال تايمز، بأن المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين -دول الخليج الثلاث التي بدأت فرض حصارٍ دبلوماسيٍ واقتصاديٍ لم يسبق له مثيل ضد قطر- قالوا إنهم يريدون مهلة 10 أيام من أجل تقديم مطالبهم.
وقال آل ثاني: “نرغب في أن تساعدنا الولايات المتحدة على فهم ما تريده تلك الدول الثلاث؛ لأننا لا نعلم حتى هذه اللحظة ما يسعون إليه وما يريدونه”. كما أضاف أنه على الرغم من أن قطر تتحضر لتصحيح أي أخطاء يوجهها إليها متهموها ويتمكنون من إثباتها، فإنها لن تتنازل عن سيادتها على سياساتها الخارجية.
أهمية الدور الأميركي
وفي حديثه مع الصحيفة الأميركية بعد اجتماعات وزارة الخارجية الثلاثاء الماضي، قال آل ثاني: “التعاون الأهم الذي حدث حتى الآن، جاء من طرف رئيس الولايات المتحدة، ونحن نقدر تلك الخطوة كثيراً”. وأضاف: “نؤمن بأن تدخُّل رئيس الولايات المتحدة سيضع حداً للأزمة وينهيها تماماً”.
وأضاف آل ثاني عن ترامب، الذي تحدث مع قادة كل من قطر والسعودية والإمارات خلال اليومين الماضيين: “نؤمن بقدرته على تهدئة هذه الأزمة. أما نحن، فلدينا الشجاعة الكافية للاعتراف إن كانت هناك بعض الأمور التي تستلزم إجراء تعديلات”.
وقال آل ثاني الذي ذكر أنه على “تواصل مستمر” مع وزارة الخارجية الأميركية منذ بدء الأزمة، إنه “فوجئ” من تعليقات ترامب على تويتر صباح الثلاثاء الماضي، والتي بدت كأنها تمدح السعوديين لمبادرتهم في إحداث الانشقاق، عندما قال إن زيارته الأخيرة إلى المملكة، “بدأت تؤتي ثمارها”.
“ربما تكون هذه هي بداية النهاية لأهوال ورعب الإرهاب”، هكذا غرّد ترامب، قائلاً إن قادة المنطقة يشيرون إلى قطر.
طمأنة أميركية
في المُقابل، تحرَّك كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون تجاه طمأنة الحلفاء بقطر، وأعادوا تأكيد تحالفهم، ونادوا بوقف التصعيد؛ إذ تستضيف قطر ما يزيد على 10.000 جندي أميركي في قاعدة جوية إقليمية.
وقال آل ثاني عن المخاوف التي أثارها الموقف العام السابق لترامب: “لقد تجاوزنا تلك النقطة بالفعل”، مشيراً إلى موجة من المكالمات الهاتفية والاجتماعات بين وزارة الخارجية الأميركية والدبلوماسيين القطريين.
وقال آل ثاني: “لدينا تعهدات والتزامات واضحة للغاية بمطاردة الإرهابيين. لا ننكر وجود بعض التحديات بذلك القطاع في الماضي، إلا أن العمل جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، جعلنا نتمكن من الارتقاء بطاقاتنا، وتحسينها”. وأضاف: “ولكن، الإرهابيون سيتمكنون دائماً من إيجاد بعض الثغرات والمنافذ”.
واعترف آل ثاني بدفع قطر مبلغاً مثيراً للجدل، بعد مباحثات طويلة الأمد للإفراج عن 26 مواطناً قطرياً. إلا أنه نفى إرسال فدية إلى الجماعات الإرهابية، قائلاً إن الحكومة العراقية حصلت على المبلغ في مقابل جهود الوساطة. ولم يُعلِّق على التقارير التي أفادت بوصول المبلغ إلى مليار دولار أميركي.
كما انتقد سياسات إيران “المزعزعة للاستقرار” في المنطقة، مشيراً إلى اليمن والبحرين وسوريا والعراق. وقال إن قطر لم تُؤيد حماس، التي أعلنتها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، ولكنها قامت من قبل بتيسير المحادثات بين حماس وطالبان.
فضلاً عن ذلك، لم يتضح فوراً الموقع الذي قد تتحضّر قطر لتفسح المجال فيه بخصوص العديد من القضايا التي تثير غضب دول الخليج السُنية المجاورة. ورفض تسمية الإخوان المسلمين حركة إرهابية، قائلاً إنه ليس ممكناً تجريم وحظر 50 مليون شخص، أو فرض قيود على شبكة الجزيرة الإخبارية.
وختم حديثه قائلاً: “إن شعروا بالتهديد من قِبل الجزيرة، فقد أصبح الأمر فلسفياً بصورة أكبر؛ هل يخشون وسائل الإعلام الحُرة وحُرية التعبير والقول؟!”.
الوساطة مستمرة
وقد قامت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باتهام قطر بتمويل عدد كبير من الشبكات الإرهابية، وأبدوا تخوفهم من علاقاتها بعدوها اللدود، إيران، التي يغلب عليها الطابع الشيعي، بينما تحافظ قطر على توازن علاقاتها مع العديد من الأطراف الإقليمية الفعالة، ومن ضمنها الجماعات الإرهابية المحظورة، ولديها قاعدة جوية أميركية ضخمة.
وتقوم كل من الكويت وعُمان حتى الآن بالوساطة في الأزمة، إلا أن ترامب قام بالتدخل من جميع الجوانب منذ ذلك الحين؛ لمساندة الوحدة الخليجية، وعرض مؤخراً تقديم مساعدات وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، كوسيط.
ورغم حرص كل من السعودية والإمارات على حل الأزمة دون تدخل من الولايات المتحدة، فإن وزارة الخارجية الأميركية، التي قالت إنها “ستعمل على الجمع بين تلك البلاد والصلح بينها”، لم تكن متاحة للتعليق على الأمر في وقت متأخر من الخميس 8 يونيو/حزيران 2017.
وتنفي قطر نشاطها في تمويل الجماعات الإرهابية، رغم أن آل ثاني قال إنهم على استعداد لتقديم المزيد من أجل معالجة المشكلة والتصدي لها. وأثنت الولايات المتحدة على الجهود القطرية لوقف تمويل الإرهاب، والتي تتضمن تمرير قانون جديد، والعمل مع الخزانة الأميركية، والتعهد بالتعاون في الملاحقات القضائية، إلا أنها قالت: “يجب القيام بالمزيد من العمل”.