“الخط الأحمر”, هو مصطلح طُرِح ولأكثر من مرة خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية وعلى أصعدة عديدة منها السياسية ومنها العسكرية, واللافت للانتباه أن هذا المصطلح قد تكرر على مسامع السوريين أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وخصوصا بعد أن جاء على لسان مسؤولين دوليين كبار.
فكلنا نذكر الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الأميركي “باراك أوباما” وحذر النظام السوري من عواقب تجاوزه في حال استخدم النظام الأسلحة الكيميائية في حربه ضد شعبه, وأيضا الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” للنظام السوري بعدم اقتحام مدينة حماة كي لا تتكرر أحداث الثمانينات مرة أخرى ونصبح أمام جرائم جديدة مرتكبة من قبل النظام بحق الآلاف من المدنيين فيما سماها الرئيس التركي “حماة الثانية”, وغيرها من الخطوط الحمراء التي رسمت هنا وهناك في دوائر صنع القرار السياسي والعسكري في أوربا الغربية وبعض بلدان الخليج العربي والتي طالما سمعناها تتكرر على ألسنة المسؤولين في هذه الدول, التي كانت تسمي نفسها “بمجموعة أصدقاء الشعب السوري” وخصوصا في السنة الأولى من عمر الثورة السورية.
ولكن الملاحظ أن النظام السوري وفي كل مناسبة يتم تحذيره فيها من تجاوز أحد الخطوط الحمراء المرسومة له, يقوم بضرب كل تلك التحذيرات بعرض الحائط ويتجاوزها بكل بساطة متجاهلا تلك النداءات الساخنة, وأحيانا متحديا كل الآراء والضغوطات الدولية وذلك باستخدام كل أساليب القتل المتاحة أمامه من القصف والقتل والتشريد وبمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية والغازات السامة.
إقدام النظام السوري على تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له عرّى كل المزاعم الدولية بالرغبة الحقيقية في مساعدة الشعب السوري على التخلص من السلطة الظالمة الاستبدادية, بل وجعل من تلك الخطوط الحمراء خطوطا أخرى ملونة في نظر السوريين ولعلها قد تكون خطوطا خضراء, يسمح من خلالها المجتمع الدولي للنظام بالتمادي السافر في جرائمه المرتكبة على الأرض وذلك عن طريق تجاهل العدد الهائل من جرائم الحرب التي يرتكبها النظام يوميا بحق أبناء الشعب السوري منذ خمس سنوات وحتى الآن, عدا عن إظهار النظام السوري بمظهر القوي دائما, من خلال انفلاته من كل القرارات الدولية الصادرة عن الهيئات الرسمية لجمعية الأمم المتحدة وغيرها من الخطوط الحمراء التي عادة ما تكون “كخط النار” الذي يطوق إمكانيات الطرف الأضعف ويزيد من تمادي الطرف الأقوى.
وبالمقابل ترسم الدول الحليفة للنظام السوري خطوطا حمراء أخرى بدورها, بل وتهدد بها المجتمع الدولي بأكمله, وتعمل جاهدة على تأمين خطوطها الحمراء في سورية وبشتى الوسائل العسكرية والسياسية, ويبرز الدور الإيراني في دعم النظام السوري بالمال والرجال منذ البداية حيث أطلق العديد من المسؤولين البارزين في أعلى هرم السلطة في طهران تصريحات واضحة, وتهديدات جريئة للشعب السوري ودول المنطقة والشرق الأوسط بأن النظام السوري المتمثل برئيسه “بشار الأسد” هو خط أحمر بالنسبة للمشروع الإيراني في سورية ولبنان, وأن الدولة الإيرانية ماضية في دعمه وبكل الوسائل حتى النهاية, أما الحليف الروسي للنظام فقد شرع منذ البداية بتأمين الغطاء السياسي لجرائم النظام الدولي عن طريق الحقيبة الدبلوماسية الروسية التي وقفت سدّا منيعا أمام جميع القرارات التي حاولت استصدار قرار من مجلس الأمن يدين فيها الجرائم التي يرتكبها النظام السوري الذي تجاوز جميع الخطوط الملونة المرسومة له عن طريق “المظلة” السياسية الروسية, التي ما لبثت أن تحولت لمظلة عسكرية تكللت أخيرا بالدعم العسكري المباشر عن طريق تسخير إمكانيات سلاح الجو الروسي لخدمة مصالحهم في سورية, بالقتال إلى جانب النظام السوري الذي يعتبرون المساس به “خطاً أحمراً” لا يمكن السماح لأي طرف بتجاوزه كائنا من كان!
وبعيدا عن نتائج “الخطوط الحمراء” التي ترسمها الدول الداعمة لكلٍ من النظام والمعارضة, بدأت تلوح بالأفق نتائج الخطوط الحمراء التي ترسمها تلك الدول الفاعلة لبعضها البعض, فتقاسمت طائرات التحالف الدولي فضاءً واسعا من الأجواء السورية, بينما تكفّل الطيران الروسي بمهمة احتلال الأجواء المتبقية, وعلى الأرض بدت حدود الخطوط الحمراء التي تتقاسمها الأطراف اللاعبة على الأرض واضحة وجلية للمراقب الخارجي والداخلي, فبدأ النظام السوري وحليفه القديم “حزب الله” اللبناني برسم خطوط حمراء تلتصق بالحدود الآمنة لكيانهما الطائفي في كل من دمشق والقلمون وحمص والساحل السوري وبحماية روسية كبيرة, والتي جعلت من قاعدة “حميمم” مركزا لقيادة عملياتها العسكرية في سورية,
بينما رسمت الولايات المتحدة الأمريكية خطوطا حمراء لحلفائها على الأرض, أطلقت من خلالها اليد الطولى لبعض شركائها العسكريين على الأرض “الأحزاب الكردية”, بينما قيَّدت حركة الشركاء العسكريين الآخرين “بعض فصائل المعارضة العسكرية” وفق خطوط حمراء تحدد لها الجهة التي يتوجب عليها قتالها دون جهة أخرى حتى ولو كانت على حساب استنزافها عسكريا “المعارضة المسلحة”, وأيضا بات الخط الأحمر الذي رسمته القيادة التركية للمساحات التي تسيطر عليها قوات وحدات حماية الشعب الكردية هو خط واضح, وعندما تجاوزت تلك الوحدات هذا الخط التركي الأحمر, سارعت تركيا إلى حمايته بموافقة المجتمع الدولي أو بعدم موافقته, المهم أنها التزمت بتعهداتها في حماية خطوطها الحمراء التي تضمن لها أمنها القومي في الداخل السوري.
تتشابك الخطوط الحمراء وتتداخل أحيانا في الداخل السوري, وذلك تبعا لأجندات المشاريع للدول اللاعبة ذات المصالح الإستراتيجية في سورية, قد تتبدل تلك الخطوط في بعض المراحل وقد يتم اختراقها في بعض المراحل الأخرى, ولكن على ما يبدو أن المنطقة قادمة إلى حرب أكثر اتساعا في الأيام القادمة وذلك نظرا لاختفاء معالم الخطوط الحمراء في كثير من المناطق والمراحل وتعارضها مع بعضها البعض, إلّا أن الأمر الأكثر وضوحا هو أن النظام السوري سيبقى محميا بكل الخطوط الملونة, وأن دماء الشعب السوري الذي وقع ضحية المشاريع هو “الحبر” الأحمر الذي يرسم هذه الخطوط التي تحمي مصالح الجميع إلّا مصالحه.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.