لم تكن المرة الأولى التي تطرق بها هذه الجملة مسامع جيداء 37 عاما (اسم مستعار) سعيا من والدتها إقناعها أن تقبل بالزواج من رجال يكبرونها كثيرا.
قالت الأم بنبرة يمتزج فيها الحزن مع الشدة لوضع ابنتها المتقدمة بالسن : “ياجيداء يابنتي ماعاد في وقت تختاري الزمن عم يمر وأبو خالد مابعيبو شي أبدا”.
ردت جيداء بمزيج من الحيرة والقلق :”يا أمي مالي مضطرة وافق عأي زلمة بحجة أنو مابعيبو شي ، اي بيطلع بعمروالدي”.
اعتادت جيداء أن تلاحقها نظرات اللوم من محيطها ،لأنها لم تتزوج بعد ، وكأنها ارتكبت إثما أو ذنبا ، ليتقدم لخطبتها رجل بلغ السبعين عاما، فبادرت والدتها لإقناعها بالقبول ، لأن “الرجل لا يعيبه شيء “.
وبعد ضغوطات كبير من والدتها وإخوتها بدأت تفكر جيداء بالموضوع بشكل آخر فلا بد أن توافق على الزواج فلا يصح أن تترك نفسها فريسة لكلام للآخرين بأنه لا يوجد مكان أو ملاذ سوى بيت زوجها هذه النظرية التي تربت عليها، قبلت جيداء الارتباط على مضد، فلابد أن تلحق بركب المتزوجين ،قبل أن يفوتها القطار ،وخاصة أن “أبو خالد” اسم مستعار رجل ثري جدا وسيؤمن لها كل ما تحتاج إليه، الذي لاحقا بدأت تتكشف عيوبه “عيوب من لا يعيبه شيء”.
أبوخالد الرجل السبعيني سوري ،تزوج من امرأتين سابقاً لكنهما ودعتا الحياة بعد أن تركتا خمسة ذكور وابنتين ، وقد انشغل كل واحد منهم بأسرته ، ومع ذلك لم يكونوا راضين عن زواج والدهم ،بزعمهم أن المرأة الجديدة ستشاركهم في الميراث ،فلم يجدوا ضيراً في خدمة والدهم ، والسعي لعدم زواجه .
قال الابن الأكبر خالد وقد تقطب جبينه أمام إخوته: “سنأتي كل يوم بالتناوب بيننا حتى نقدم ما يحتاجه والدنا من رعاية وخدمة فلا يصح أن نسمح له بالزواج من امرأة وهو بهذا السن، كلها سنوات معدودة ويغادر الدنيا فلماذا نأتي بشريك جديد معنا؟
رد عليه أخوه الأصغر موافقا لرأيه :” نعم هذا صائب لنجتمع الليلة عنده ونخبره ولن يعارض باقي أخوتنا هذا”.
بحلول المساء اجتمع الأخوة ذكورا وإناثا، عند والدهم متصنعين ودا وبرا لم يعتادوا عليه أبدا، قال خالد بوجه باسم لوالده: نعلم يا أبي أنك تشتكي الوحدة منذ وفاة خالتنا يقصد “زوجة أبيه” ولكننا لن نتركك بعد اليوم سيخصص كل فرد منا يوما يأتي إليك بما تريده ما قولك ؟
تابعت ابنته: نعم يا أبي لن تحتاج لشيء بعد الآن.
أبدى الجميع حماسهم ورغبتهم بمساندة والدهم خوفا من الشريك الجديد في الميراث ،وافقهم والدهم على ذلك ولكنه يعلم بقرارة نفسه أنهم لن يستمروا بهذا ، ولذلك ترك الأمر للأيام تكشف برهم المزعوم لم تمض الأيام كثيرا حتى تململ الجميع وتأخروا عن والدهم فقد بدا كل شخص يخلف وعده وتأخذه مشاغله عن القدوم لوالده وتقديم ما يلزم له.
هنا أصّر الأب على الزواج ، وارتبط بجيداء بعد تقديم القليل من المهر، ولكن عيون أهلها ظلت تترقب رحيله من أجل ثروته الآتية لامحالة.
بدأت تتضح عيوب من” لايعيبه شي” ،كان رجلاً شحيحاً جدا، لدرجة أنه لا يحضر حاجة لطبخ وجبة طعام رغم توفر المال الكثير بين يديه ،بدأ بخله يزيد يوما بعد يوم ،حتى إذا مرضت فلا يأخذها لمراجعة الطبيب بل يلزمها أن تتناول بعض المسكنات، أو أن تداوي نفسها بالأعشاب الطبيعية، و منع عنها شراءَ الملابس.
حملت جيداء وأنجبت طفلة ،لم يرحب أولاد زوجها بالمولودة الجديدة فقد جاء من يشاركهم ميراثهم وستقل حصصهم أيضاً ،توالت الأيام بجيداء وزوجها مازال يمنع عنها حتى أبسط ما تحتاج إليه، لم تعد تستطع أن تتركه وتعود لوالدتها فمعها طفلتها الآن ومصروفها زاد، ونظرات المجتمع لن ترحمها حتى تغدو مطلقة و ستهاجم من جديد، فالطلاق جرم عظيم بنظر الآخرين لا يجوز الاقتراب منه، فلم يمض الكثير على اجتماع نساء حييها وإلقاء الدروس والمواعظ التي يجب أن تتبعها المرأة في بيت زوجها فهو” لايعيبه شيء” فلم تجد حلاً سوى أن تعمل .
من منزلها بدأت بالحياكة كي تؤمن مصروفها ومصروف ابنتها رغم قلة المورد، استطاعت تأمين القليل لتغطية نفقاتها وابنتها ،ولكن لا حياة لمن تنادي فزوجها مازال يضنُ ويقطر.
بعد مرور سنتين رزقت بطفلةٍ ثانية ،فزادت التكاليف، ثم باغت الموت زوجها ، ليرحل وبقيت مع ابنتين بمنزلها ،حتى جاء اليوم المشؤوم الذي قرر فيه أولاد زوجها إخراجها من البيت ،أو أن تدفع لهم الإيجار بحجة أن لهم بالمنزل حصة ،وأن المنزل كبير عليها، وجدت نفسها تحيا بصعوبة بين جشع أهلها الذين أجبروها على الزواج وبين طمع أبناء زوجها بالميراث لتحيا بين أمرين أحلاهما مر.
قصة خبرية/ حميدة إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع