محمد إسماعيل
في “جمعة يا دمشق موعدنا قريب” بتاريخ 25/ 5/ 2012 خرج العشرات من شبان “الحولة” ككل جمعة في مظاهرات سلمية تهتف بسقوط النظام وتطالب بنيل الحرية والكرامة، ولم تكن الأوضاع تشي بهجوم أو تحركات للنظام أو أي عمل عسكري من قبل الفصائل الثورية وليدة التشكيل في المنطقة آنذاك لحماية المدنيين، لكن قوات النظام لم تلبث أن فتحت النار على المتظاهرين بعد صلاة الجمعة، وبدأت قذائف “الشيلكا” تنهال عليهم لتقتل 4 منهم، وبدأت قوات النظام تقصف منطقة بعيدة عن مركز مدينة “الحولة” نسبياً، فيما بدا أنه تغطية نارية لعمل وشيك -كما يروي الناشط “أحمد الخضر”- الذي كان أحد شهود المجزرة لـ”زمان الوصل” مضيفاً أن عشرات الشبيحة تسللوا حينها من جهة السد (المفرزة) ومن مؤسسة المياه ليرتكبوا مجزرة مروّعة بحق العشرات.
لم يكن يوم الخامس والعشرين من أيار مايو/2012 يوماً عادياً في حياة منطقة “الحولة” الواقعة غرب حمص، بل امتزجت الأرض فيها بدماء العشرات من أهلها الذين قتلوا على يد شبيحة القرى الموالية المحيطة بالبلدة في مجزرة هزت الرأي العام العالمي وقضى فيها 113 شخصاً بينهم 56 طفلاً و30 سيدة تم قتل معظمهم ذبحاً بحراب البنادق والسكاكين والسواطير، وبعضهم قتل برصاص متفجر عن قرب، فيما كتبت لبعضهم النجاة ليظلوا شهوداً على همجية النظام وشبيحته الذين شطبوا من قاموس حياتهم كلمات الرحمة والإنسانية.
واعتقد أهالي المنطقة أنهم جاؤوا للتفتيش ككل مرة، فاختبأ الشبان كي لا يتم اعتقالهم ومنهم من هرب باتجاه النهر.
الأهالي داخل البلدة لم يكونوا يعرفون ما جرى على أطرافها ولم يسمعوا أي إطلاق للنار، بل علموا بالمجزرة بعد وقوعها بنصف ساعة، ولكنهم كانوا يرون الكثافة النارية تتركز على المكان الذي شهد المجزرة من أسطحة منازلهم.
وقعت المجزرة حوالي الساعة الخامسة النصف عصراً وتعرضت المنطقة حينها لقصف صاروخي من الكلية الحربية بحمص ونقطة عسكرية قريبة من قرية “محناية” الموالية للنظام -حسب شهادة شرطي من الحولة- كان يخدم في حمص.
وإليكم تفاصيل ما حدث مع عائلة واحدة:
تقول “فوزية حسين الخلف” من أهالي مزرعة السد التابعة لبلدة الحولة في ريف حمص، زوجة «سمير حسين عبد الرزاق» أم لثمانية أبناء، إحدى الناجيات من مجزرة الحولة، تعود بالذاكرة إلى تلك الليلة في 25/5/2012 لتستعيد وجوه أحبتها الذين قضوا ذبحاً وإعداماً واغتصاباً، ولتذكّر العالم بمعدن نظام الأسد.
جمعونا في غرفة متطرفة بالقرب من درج السطح، وفتحوا النار علينا بشكل عشوائي، ثم هجم أربعة منهم على من بقي حيا بالضرب والإهانة والرفس والاغتصاب، كان زوجي على الأرض، حين توسلت إلى أحدهم أن يدع ابنتي سوسن وكان يهم باغتصابها، وشققت عباءتي وعرضت نفسي بدلاً عنها.
تقول فوزية ” قتلوا 20 شخصا في بيتنا، زوجي وبناتي الأربع (سوسن 21 سنة وهدى 18 سنة وندى 12 والصغيرة كانت بعمر العشر سنوات)، قتلوا زوجة ابني الحامل في شهرها السابع وطفل كان على صدرها اسمه “سمير” على اسم جده، وأختي وكنتي وأولادها الاثنين وابنة عمي وأولادها الأربعة وسلفتي وابنتها”.
اغتصبني اثنان منهم ومن ثم اغتصبوا ابنتي سوسن 21 عاما، أمام زوجي الذي كان يصرخ ويبكى قبل أن يطلقوا النار على رأسه، كنا 27 شخصاً في ذلك البيت لم يخرج منا سوى سبعة أحياء، كانوا يتفقدون الأطفال والنساء ومن بقي حياً كانوا يجهزون عليه بالسكين.
عذبونا بشكل سادي وتحرشوا بالصغيرات بوحشية، داسوهن بأقدامهم شدوا شعرهن إلى حد الاقتلاع ومزقوا ملابسهن، كان صراخ النساء والأطفال يملأ المكان والدماء متناثرة على الحيطان. «فاكر» الذي قام باغتصاب ابنتي سوسن قتلته رصاصة في رأسه أطلقها رفيقه بالخطأ، ليقوم أحد العناصر من الغوطة بذبح ابنتي سوسن بالسكين وهو يشتمها ويشتم الله أمام عيني.
لا زلت أذكر ولن أنسى كيف كان أطفالي يتمسكون بي ويستغيثون بي يصرخون «ماما»، لكني كنت عاجزة أمامهم بينما كان أبوهم مقتولا عند الباب.
في طريق صخري وعر، حملنا شباب الجيش الحر على أكتافهم كنت أنا وابنتاي هبة ورشا وابنة أختي زهرة وابنة عمي فاطمة وأثنان آخران الأحياء فقط من بين 27 شخصاً، مشوا بنا مدة نصف ساعة وهم يدورون بنا بين الصخور حتى وصلنا إلى حافلة صغيرة أوصلتنا إلى كفرلاها.
لا أتمنى ما عشته لأحد ولا أريد لأحد أن يرى جزءاً صغيراً منه، لم أكن لأصدق أن البشر يمكن أن ينحطوا إلى هذا الدرك من السفالة والحقد الطائفي والوحشية، سأروي قصتي دائما منتظرة العدالة التي ستعيد لأبنائي الحياة، وسأحيي ذكرى المجزرة ما حييت.. فلا يمكن للضحايا أن يتجاوزا الذكرى.
فما هو معدن هؤلاء بنظركم؟؟!!!
المركز الصحفي السوري