ارتياد الحمامات الشعبية أو مايسميها السوريون “حمام السوق” من العادات القديمة والمرتبطة بالتقاليد في أعرافهم، إذ أنها تضفي نوعا من الترابط الاجتماعي وتعتبر بمثابة نزهة عندهم وبالأخص في أيام الشتاء الباردة، فيتحضرون لها مصطحبين معهم صابون الغار الفاخر الذي يفوح عبقه في أرجاء الحمام، وبعض المأكولات وفي مقدمتها “الكبة النية” والفاكهة.
لكن أخذت تلك العادات الشعبية كغيرها بالاندثار عند مطلع القرن العشرين نظرا لتطور الحياة والتماشي مع متطلباتها، وأغلقت على إثرها العديد من الحمامات فأصبحت مجرد تراث يقصده السيّاح للتعرف على الحضارة السورية العريقة، واقتصر وجودها في المدن الكبرى كالحمامات الدمشقية التي تشتهر بأصالتها وقدمها متمثلة بجدرانها المصنوعة من الفسيفساء.
وشكل انقطاع المياه عن مدينة دمشق وريفها منذ مايقارب 20 يوما كارثة إنسانية تهدد حياة سكانها بانتشار الأوبئة والأمراض فضلا عن المعاناة المادية بتأمين ثمن صهريج للمياه لتعبئة خزاناتهم، وذلك بعد الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام منذ مدة على منطقة وادي بردى التي تسببت بتضرر وتهدم قسم كبير من مضخات عين الفيجة والتي تمد المدينة وريفها بالمياه الصالحة للشرب.
“الشام الي كانت مشهورة بمياتا أهلا عطشانين والسبب أنو عم نحارب المسلحين، عن أي مسلحين عم تحكو هنن متلنا عطشانين، بكفي كذب، من أكتر من عشر سنين ما رحنا عحمام السوق لأن كانت روحة الحمام بمناسبات الفرح ونعتبرا من مراسم الزواج مو أكتر، هلا صرنا نشتهيها بعد هالقطعة”، تلك كانت كلمات أبو عبدو الدمشقي بعد أن ضاق به الحال من نقل “بيدون” الماء إلى منزله في الطوابق العليا.
لجأ كثير من الدمشقيين لحمامات السوق كونها تعتمد في تغذية المياه على آبار خاصة بها، فبعد أن هجرت لأعوام باتت ملاذا لهم في ظل الانقطاع الذي تشهده العاصمة، فنشرت وكالة الصحافة الفرنسية (ا ف ب ) تقريرا مصورا عن حمام الملك الظاهر الشعبي الذي يكتظ بمئات الزبائن بعد أن كانت زبائنه لا تتجاوز العشرات في اليوم، لكن التقرير أظهر أن رسم الدخول للحمام 1200 ليرة واعتبره مبلغا زهيدا لم يرتفع رغم الأزمة، إلا أنه يعتبر مكلفا للأسر الفقيرة، ونشرته صفحة يوميات قذيفة هاون الموالية على صفحتها الرسمية.
وعلق أحد المواطنين على التقرير:” أحسن ما تنقلو تقرير وكالة الصحافة الفرنسية روحو انقلو كيف العالم والنساء والشيوخ والأطفال عم تزق المي زق وشخص كبير عم تنزل دموعه على خده وما عم يقدر يحمل بيدونات المي ؟؟؟؟؟ مو أحسن من ها السبق الصحفي للسيد ماهر المونس يلي فرحان بالتقرير تبعه يلي أتعرض على وكالة الصحافة الفرنسية”.
أحيت الأزمة عدة تقاليد كانت على وشك الاندثار، ورغم أنها كانت من العادات الجميلة التي تذكرنا بالماضي إلا أنها مترافقة مع معاناة قد يطول أمدها في ظل عدم اكتراث النظام لمآسي المدنيين في تأمين مياه لحياتهم اليومية ومضيه في حملته الممنهجة لتهجير أهالي وادي بردى كما فعل في غيرها من المناطق وغير آبه بشعب يذوق الويلات كل يوم.
المركز الصحفي السوري_ سماح الخالد