وأعلن الكرملين والبيت الأبيض أن ترامب وبوتين سيلتقيان على هامش القمة التي ستعقد في السابع والثامن من يوليو/تموز 2017 في هامبورغ.
وقال مسؤولون أوروبيون لموقع “ذا دايلي بيست” الأميركي إنَّ موسكو تعتقد بأنَّ زعيمها، الجاسوس البارز السابق، فلاديمير بوتين، بإمكانه الحصول على تنازلاتٍ كبيرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما يلتقي الاثنان للمرة الأولى الأسبوع المقبل.
وقال المسؤولون وفق تقرير موقع The Daily Beast أنَّ معلوماتهم الاستخباراتية تُشير إلى أنَّ بوتين يعتقد أنَّ بإمكانه تحقيق مكاسب على حساب ترامب في قمة مجموعة الـ20، من خلال اللعب على وتر وعود التعاون في مجالاتٍ مثل محاربة الإرهاب لكسب تنازلاتٍ مثل خفض سقف العقوبات المفروضة على روسيا.
لا تُقدم أي شيء مجاناً
مسؤولٌ قال مخاطباً ترامب: “حينما تلتقي الروس، لا تُقدم أي شيء مجاناً”، مُكرراً بذلك مخاوف العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين فيما يتعلق بلقاء بوتين وترامب الأسبوع المقبل على هامش قمة مجموعة العشرين في ألمانيا.
وتُثير مخاوفهم القلق بأنَّ قلة خبرة ترامب وقدرة بوتين على التملق ستضعف ببطءٍ التحالف الأميركي مع أوروبا بمرور الزمن، وستُعزز عودة موسكو إلى وضعية القوة شبه العظمى، بينما لن يستطيع الحصول على تعهداتٍ منها بإحداث تغييراتٍ في سلوكها العدواني التوسعي.
وتواجه إدارة ترامب تحقيقاتٍ تتعلق بحملة تابعة لروسيا للتأثير في انتخابات العام 2016 الرئاسية لصالح ترامب. وقبل أن يُصبح ترامب رئيساً، كان يتودد إلى “القائد الحقيقي” في الكرملين، الذي كان يأمل في أن يكون “أفضل أصدقائه”، ولم يكن بإمكانه أن يُقرِّر إذا ما كان سيلتقي بوتين في أي وقت.
قلق من اتفاق قد يعقد على عجل
وقال توماس رايت، من معهد بروكنغز الأميركي، عن حديثه مع مسؤولين أوروبيين: “بالتأكيد هناك بعض الشكوك في الخارج. إنَّهم قلقون من اتفاقٍ قد يُعقد على عجلٍ بين بوتين وترامب، فبوتين جيد للغاية في اللقاءات الأولى. ولديه أجندة ويعرف كيف يُناور. وإذا لم يكن ترامب مُجهَّزاً للقاء، فإنَّ الخطر سيتزايد كلما ظل في الغرفة فترةً أطول”.
وأثار بوتين إعجاب رؤساء سابقين مثل جورج بوش، وباراك أوباما، الذين ردوا بتحركاتٍ لزيادة التعاون، فقط ليشعروا بالإحباط بعد ذلك من الغزو الروسي لجورجيا في أثناء حكم بوش، وغزوها القرم وأوكرانيا في أثناء ولاية أوباما.
وقال الجنرال هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي الأميركي، للصحفيين يوم الخميس 29 يونيو/حزيران، إنَّه لم توضع أجندة للقاء، لكنَّه أشار إلى أنَّ ترامب ربما يحمل كلاً من العصا والجزرة.
ورد ماكماستر على سؤالٍ لصحفي موقع “ذا دايلي بيست” قائلاً: “علاقتنا بروسيا لا تختلف عن علاقتنا بأي دولةٍ أخرى، من حيث أنَّنا نتواصل معهم بشأن مخاوفنا، والمواضع التي نرى بها مشكلاتٍ أو فرص في العلاقة”.
وقال ماكماستر إنَّ ترامب أمر بالفعل طاقمه بإيجاد طرق “للتخفيف من سلوك روسيا الذي يزعزع الاستقرار” وردعه سواء كان في صورة تهديداتٍ سيبرانية أو “تخريبٍ سياسي” هنا أو في أوروبا.
وتساءل بتكلف: “لا أحد يريد حرباً بين القوى الكبرى، أليس كذلك؟”.
وفي يوم الأربعاء، 28 يونيو/حزيران، تحدث ماتيس بصراحةٍ أكبر في أوروبا، منتقداً بقسوةٍ مغامرة بوتين العسكرية على حساب رخاء شعبه.
وقال في تصريحاتٍ لمسؤولين عسكريين أوروبيين في ألمانيا: “على روسيا أن تعرف أمرين؛ ما ندافع عنه، وما لا يمكن أن نتساهل فيه على حدٍ سواء. إنَّ إحداث رئيسهم لأضرارٍ خارج حدود روسيا لن يعيد ثرواتهم أو يحيي أملهم”.
ويأمل المسؤولون الأوروبيون أن تكون تلك الرسائل الصارمة هي ما سيثيره ترامب مع بوتين خلال لقائهما.
فقال مسؤول غربي لـ”ذا ديلي بيست”: “أسمع رسالة متناغمة (متماسكة) من عدة مستويات مفادها أنَّهم يريدون علاقاتٍ تعاونية مع روسيا، والعمل بشكلٍ جماعي فيما يتعلَّق بمصالح الأمن القومي المشتركة، لكن لكي تحصل روسيا على تلك العلاقة عليها أن تعني ما تقوله بدلاً من مجرد الحديث عنه”.
وقد اشترط المسؤولون الأجانب عدم الكشف هويتهم كي يتحدَّثوا عن المعلومات الاستخبارية والمناقشات قبل جولة ترامب الدولية. ورفضت السفارة الروسية في واشنطن طلبات للتعليق على الأمر.
وطغت على انتصار ترامب غير المتوقع في انتخابات الرئاسة الأميركية مزاعم بأن روسيا تدخلت في الانتخابات العام الماضي وتواطأت مع حملته الانتخابية كما خيمت على الخمسة أشهر التي قضاها ترامب حتى الآن في الرئاسة.
كما توجد خلافات بين البلدين بشأن أوكرانيا وتوسع حلف شمال الأطلسي والحرب الأهلية في سوريا حيث تدعم موسكو الرئيس بشار الأسد وتقدم الولايات المتحدة الدعم لجماعات معارضة تحاول الإطاحة به. وأثارت واشنطن غضب موسكو بشن هجمات صاروخية على قاعدة جوية للحكومة السورية في أبريل/نيسان قالت الولايات المتحدة إن هجوماً بأسلحة كيماوية انطلق منها وقتل عشرات المدنيين.
وقالت أجهزة مخابرات أميركية إن روسيا اخترقت حسابات بريد إلكتروني لمجموعات سياسية تابعة للحزب الديمقراطي وسربت محتوى منها لمساعدة ترامب على الفوز بالانتخابات الرئاسية وهزيمة منافسته هيلاري كلينتون. وتنفي روسيا الاتهامات ويقول ترامب إن فريقه لم يتواطأ مع موسكو.
وتجري عدة لجان في الكونغرس حالياً تحقيقات في الأمر إضافة إلى مكتب التحقيقات الاتحادي.
خلاف حول سوريا
أثار ترامب حفيظة روسيا هذا الأسبوع عندما قال البيت الأبيض إن الجيش السوري يعد على ما يبدو لشن هجوم كيماوي جديد وحذر الأسد وقواته من “دفع ثمن باهظ” حال تنفيذ ذلك.
وحذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أمس الأربعاء من أن موسكو سترد رداً مناسباً إذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءات ضد قوات الحكومة السورية.
لكن لافروف أضاف أنه “لن يكون من الصواب على الأرجح” ألا يتحدث بوتين وترامب خلال القمة.
وكان باراك أوباما سلف ترامب قد أمر بطرد 35 روسياً في الأيام الأخيرة من فترته الرئاسية للاشتباه في ضلوعهم في عمليات تجسس وفرض عقوبات على وكالتين للمخابرات الروسية يشتبه بأنهما شاركتا في عمليات اختراق إلكترونية لمجموعات سياسية أميركية في انتخابات 2016.
وقد تعقد حزمة جديدة مقترحة من العقوبات على روسيا في الكونغرس الأميركي من رغبة ترامب في توثيق العلاقات مع موسكو.
وقال مكتب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس اليوم الخميس إنه سيسافر إلى إستونيا وجورجيا والجبل الأسود في يوليو/تموز وأغسطس/آب في محاولة لطمأنة حلفاء بلاده من دول الجوار الروسي.
ماذا سيقدم لبوتين؟
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أمس الخميس أنَّ ترامب طلب من مسؤولي البيت الأبيض إعداد قائمة بالمحفزات الدبلوماسية التي يمكن أن يقدمها لبوتين خلال اللقاء، لكنَّ مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أصر على أنَّ مثل ذلك الطلب لم يُقدَّم. ونفى المسؤول، الذي أصر على عدم الإفصاح عن هويته، الادعاءات.
لكنَّ ترامب بقي خجولاً في تصريحاته العلنية بشأن موسكو، حتى بعدما استنتج مسؤولو الإدارة أنَّ روسيا كانت على الأرجح على دراية في مايو/أيار الماضي بأنَّ قوات النظام السوري كانت على وشك إطلاق قنابل غاز السارين على المدنيين، لأنَّ المستشارين العسكريين الروس كانوا متمركزين في القاعدة التي انطلق منها الهجوم.
وكي يفهم ترامب بوتين، لا يجب عليه أكثر من النظر لتقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية غير المُصنَّف الذي صدر الأسبوع الجاري، والذي يقول إنَّ موسكو تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها واحداً من ألدّ أعدائها.
وذكر التقرير إنَّ “الكرملين على قناعة بأنَّ الولايات المتحدة تمهد لتغيير النظام في روسيا”، مضيفاً أن موسكو تُحمِّل المسؤولية في قائمةٍ طويلة من المشكلات للتدخل، بما في ذلك الربيع العربي، وإسقاط الزعماء الموالين لبوتين فى أوكرانيا، فضلاً عن الثورات التي جرت في جورجيا، وأوكرانيا، وقيرغيزستان.
وقالت مارا كارلين، وهي مسؤولة بارزة سابقة بوزارة الدفاع في ظل إدارتي أوباما وبوش الابن، وتعمل الآن كمحاضرة في كلية للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز: “ينبغي لترامب أن يكون مستعداً للتوقعات الروسية، فهي قوة تستحق أن تُعامل كمكافئ للولايات المتحدة، رغم انتهاكها الصارخ للمعايير الدولية”
وأضافت في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني، تعود فيها للحديث عن مفاوضاتٍ سابقة مع مسؤولين روس: “ينبغي لترامب أن يكون على أهبة الاستعداد للشكاوى التي ستُطرح بشأن مبادرة الاطمئنان الأوروبية (أي طلبه زيادة كبيرة في الأموال المطلوبة لتعزيز الأمن الأوروبي)، والدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا، وتركيز الجيش الأميركي المتزايد على الأمن الأوروبي على نطاقٍ أوسع”.
وقال ديريك تشوليت، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية في عهد أوباما، في رسالةٍ إلكترونية موجهة لـ”ذا دايلي بيست: “كلٌ من بوتين وترامب خبراء في فنون الخداع المظلمة، والتضليل، والرمزية القومية. إنَّ البطاقة المكشوفة التي يلعب بها بوتين هي تقديم عروضٍ مغرية بخصوص تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وسوريا. لكن ما الذي سيطالب به في المقابل؟ هل هو رفع العقوبات؟ أم سحب القوات من البلطيق؟ وهل سيبتلع ترامب هذا الطعم؟”.
وتساءل تشوليت إذا ما كان ترامب سيُدين بوتين علناً لتدخلاته في الانتخابات الأميركية، مثلما سبق وأن أدان الحليف الخليجي قطر لتمويلها المزعوم للإرهاب. أم أنَّه سيتفق مع بوتين في أنَّ الأمر كله ينطوي على خدعةٍ ما؟”