تحت نيران النقد اللاذع من قبل المعارضين السياسيين, يخلط باراك أوباما مرة أخرى أوراقه في سوريا, على أمل إنقاذ مصداقية الولايات المتحدة من حطام إخفاقاته الثنائية المتمثلة في عدم استطاعته هزيمة داعش وإسقاط بشار الأسد.
الخوف هو ما قاد أوباما إلى إعادة التفكير؛ الخوف من روسيا وإيران من أن يفوزوا في لعبة الانتصار في بسط النفوذ في كل من سوريا والعراق؛ والخوف من أن إرث الشرق الأوسط سوف يكون في حالة من الفوضى والتشويش من الموصل إلى البحر المتوسط.
أخبر مسئولون أمريكان الكونغرس هذا الأسبوع بأن البيت الأبيض يدرس مجموعة من الخيارات العسكرية لقتال داعش. تشمل عمليات نشر أعداد محدودة من القوات الخاصة في سوريا, وطائرات هليوكبتر هجومية في العراق, إضافة إلى المزيد من نقاط المراقبة المتقدمة لزيادة دقة وفعالية ضربات التحالف الجوية.
أشار آش كارتر, وزير الدفاع الأمريكي, إلى أن البنتاغون تشجع بسبب عملية الإنقاذ التي نفذتها قوة ألفا لإنقاذ الرهائن لدى داعش في الحويجة , شمال العراق. وتوقع المزيد من هذه العمليات”.
وقال كارتر إن الاستراتيجية الجديدة سوف تركز على “الهجمات المباغتة والرقة والرمادي.
وأضاف :” نتوقع تكثيف حملتنا الجوية, التي تشمل الولايات المتحدة وطائرات التحالف من أجل استهداف داعش بضربات جوية أكثر شدة”. في هذه الأثناء, فإن القوات الأمريكية لن تبتعد عن ” العمل المباشر على الأرض”.
على الرغم من الاعتراضات التركية, تدرس الولايات المتحدة توثيق التعاون مع الميليشيات الكردية السورية التي طردت داعش من الأراضي التي تقع على طول حدود سوريا الشمالية.
إعادة التفكير التي يقوم بها أوباما لا تعني أنه على وشك التراجع عن استراتيجيته التي تتمسك بمبدأ تجنب وجود قوات على الأرض تقوم بعمليات في سوريا, على الرغم من وجود تقارير تشير إلى عكس ذلك. كما أنه ليس على وشك خوض حرب جديدة أخرى في العراق.
ولكن في أفغانستان, حيث أجل مؤخرا سحب القوات الأمريكية من هناك, فإن هذه الخطوة تدل على نوع من اليأس. إنه تذكير آخر على كيفية أن سياسة أوباما لتحرير الولايات المتحدة من التشابكات العسكرية في الشرق الأوسط طغت على الحقائق الجيوسياسية.
رفض أوباما مهاجمة الأسد حتى بعد أن تخطى الرئيس السوري الخط الأحمر من خلال استخدامه للأسلحة الكيماوية. محاولته لتدريب المتمردين السوريين باءت بالفشل. في العراق, لم يستطع 3500 مدرب ومستشار أمريكي على تحسين أداء الجيش العراقي البائس.
حاليا البرلمان العراقي, الذي يهيمن عليه الشيعة الموالون لإيران الذين يقولون إن الولايات المتحدة هي من تسببت بتراجع العراق, يضغط على رئيس الوزراء حيدر عبادي لدعوة روسيا لتوسيع غاراتها الجوية في سوريا لتشمل العراق أيضا.
ليس هناك أي شك أن فلاديمير بوتين سوف يحب كثيرا أن يحل مكان الولايات المتحدة كصديق جديد لبغداد. كما هو حال دعمه للأسد ضد الغرب, فإن الرئيس الروسي يخوض صراعا أشمل للنفوذ والسلطة في الشرق الأوسط.
إدراج إيران في مباحثات فيينا, وعلى الرغم أنها مرحب بها في العديد من الجوانب, إلا أنها تعتبر في جوهرها بمثابة تنازلا يدل على ضعف الولايات المتحدة. لقد شاركت إيران على الرغم من إعلانها هذا الأسبوع بزيادة دعمها العسكري للأسد.
يقول العديد من منتقدي أوباما بأن خوفه من الخوض في مستنقع الشرق الأوسط سمح لإيران وروسيا بالتدخل. وقد كتب الصحفي المخضرم تشارلز كراوثامر “ماذا كان رد أوباما على كل ذلك؟ لا شئ. لقد غسل يديه من المنطقة, التي لا زالت مركز إنتاج وتجارة النفط في العالم, والتي لا زالت أكثر المناطق تقلبا, والتي تغلي بقوة لتصدير الجهاديين إلى العالم”.
وأضاف :” عندما تطلق على شئ ما بأنه مستنقع, تكون قد أخبرت العالم بأنك خارج الأمر. وبالتالي فإن كلا من روسيا وإيران سوف تجدان طريقهما هناك”.
======================
بوسطن غلوب: ليس لدى الولايات المتحدة سوى خيارات سيئة في سوريا
بوسطن غلوب: ترجمة مركز الشرق العربي
الأمريكان حلالوا مشاكل. نحب الحلول الجيدة. أعطنا أي تحد, وسوف نكون اللجان ونقيم الخيارات, ونقدم لك خطة لتنفذها. إنها سمة غاية في الإيجابية, ولكنها يمكن أن تجلب لنا المشاكل.
سوريا تحترق, ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الولايات المتحدة تنتظر الحل الجيد. ولأن جميع البدائل هناك سيئة, فإننا لم نختر أي منها. وقد ساهم جمودنا في الكارثة الإنسانية التي تحل في سوريا.
عندما ينقشع الغبار في نهاية المطاف في دمشق, فإن واحدا من ثلاثة قوى سوف يسيطر على الوضع. الاحتمال الأول هو الدولة الإسلامية, أو داعش, التي تريد أن تجعل دمشق عاصمة للخلافة. الخيار الثاني هو القاعدة, التي تطلق على نفسها جبهة النصرة في سوريا. أما الخيار الثالث فهو الحكومة الحالية بقيادة بشار الأسد.
هذه تغطية كاملة للخيارات المتوفرة في سوريا. خيال “المعارضة المعتدلة” خيار مريح ولكنه بعيد كل البعد عن الواقعية. دعم جماعات مختلفة ومتفرقة ربما يطيل أمد الحرب ولكن لن يكون له أي أثر في الحل. لقد حان الوقت للعمل بصورة واقعية والاختيار بين الخيارات الثلاثة السيئة الموجودة أمامنا.
في هذه الحرب, ليس لدى الولايات المتحدة سوى أعداء. نحن نعادي كل قوة رئيسة موجودة في أرض المعركة: حكومة الأسد, وداعش وجبهة النصرة والميليشيات الشيعية وإيران وروسيا. على الرغم أننا نصرخ من أجل السلام, ولكننا لا نملك أي خطة لتحقيق ذلك. ويعود ذلك في جزء منه لأن الانتصار في سوريا يعني أن نصطف إلى جانب عصابة شريرة أو أخرى. مواجهة هذه الحقيقة صعب ولكنه ضروري في النهاية. حاليا ليس لدينا أي هدف استراتيجي في سوريا, والدول التي لا تملك أي أهداف استراتيجية لا يمكن لها أن تحققها.
من أجل التأثير على مجرى الأحداث في سوريا, أو على الأقل التخفيف من المعاناة الإنسانية هناك, على الولايات المتحدة أن تختار أحد الخيارات الثلاثة البائسة. إذا توصلنا إلى نقطة يكون فيها باستطاعتنا فهم هذه الحقيقة, فإن الخطوة التالية هي تنفيذ هذا الخيار. ويجب أن يكون خيارا سهلا.
انتصار جبهة النصرة سوف يكون في حقيقته انتصارا لأولئك الذين هاجموا الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. وسوف يعطي أسامة بن لادن فرصة للتعبير عن فرحته وهو في قعر الجحيم, وسوف يحول سوريا إلى ملاذ للإرهابيين. وانتصار داعش سوف يكون أسوأ من ذلك. أي من الفريقين سوف يقوم بارتكاب إبادة جماعية.
قاعدة حكومة الأسد الشعبية موجودة في الطائفة العلوية, التي تتمركز على طول ساحل المتوسط. وبسبب ارتباط العلويين بالفرع الشيعي من الإسلام, فإنها تعتبر ديانة شيطانية في نظر الإرهابيين السنة الذين يديرون داعش وجبهة النصرة. كلا الجماعتين تعهدوا بقتل كل علوي. وهم يرسلون فعلا المنشورات إلى المراكز العلوية مثل طرطوس واللاذقية. والرسالة التي يوجهونها مرعبة, ومفادها “نحن من خلفكم, والبحر من أمامكم, ولا مفر أمامكم”.
إلى جانب المليوني علوي هناك أقليات أخرى تعيش في خطر. المسيحيون معرضون لخطر داهم. أكثر من مليون مسيحي يعيشون في سوريا, وجميعهم سوف يواجهون خطر مميتا إذا وصلت داعش أو جبهة النصرة إلى الحكم. وهذا من شأنه تسريع انقراض المسيحية في الشرق الأوسط, وهي العملية التي اكتسبت زخما كبيرا عندما أسقطت الولايات المتحدة صدام حسين في العراق. حمى صدام المسيحيين. كان وزير خارجته لفترة طويلة طارق عزيز وهو مسيحي. الآن ليس هناك أي مجال للمسيحية في العراق. إذا سقط الأسد, فإن الأمر ذاته سوف يحصل في سوريا.
الخيارات في سوريا ربما تنخفض إلى هذه الحدود: الأسد واستمرار الحرب أو الإبادة الجماعية. بالنظر إلى وضع الأسد, فإن الولايات المتحدة لن تستطيع القبول به. ولكن علينا أن نكون حكماء ووضع حد لرفضا للتفاوض مع أي شخص يعلن أولا أن “على الأسد الرحيل”.
في النهاية يبدو أننا نمشي ببطئ إلى الخلف للتراجع عن سياستنا الخاطئة. لقد حان الوقت للخروج من شرنقة الوهم التي نعيش فيها. خيار أن يتضمن النظام السوري الأسد أو أي من رفقائه سئ, ولكن الخيارات الأخرى أوسوأ بكثير. استمرار قتال الأسد سوف يطيل أمد الحرب السورية, وزيادة خطر استمرار المجازر وتقويض مصالحنا الأمنية
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي