على بعد حوالي 7 كيلو مترات وإلى الجهة الشرقية من مركز مدينة إدلب, تقع مدينة بنش المحاطة بغابات كثيفة من الأشجار المثمرة المختلفة, التي يشكل التين والزيتون قوامها الرئيسي, تعتبر مدينة بنش من المدن القديمة في سورية, ويرجح علماء الآثار نشأة المدينة في موقعها الحالي خلال فترة الاحتلال الروماني لسورية, بدليل وجود آثار رومانية إلى جانب وجود عدد من المعابد والكنائس القديمة التي زالت تقريباً في عصرنا الحالي, وتحول بعضها إلى مساجد كالجامع الكبير في المدينة, والذي حوله المسلمون إلى مسجد في عهد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
التسمية الحالية للمدينة “بنش” تعود إلى أصول سريانية, وتعني “ابن الإنسان أو ابن الإنسانية”, ويبلغ عدد سكانها اليوم حوالي “45000” نسمة يعملون بالزراعة والتجارة والحرف اليدوية وبعض الصناعات الخفيفة, وتمتد الحدود الإدارية للمدينة على مساحات منبسطة تبلغ “15000” هكتار, وتتمتع بمناخ معتدل وهواء نقي وتربة حمراء ذات خصوبة عالية..
كان أهل مدينة بنش من السبّاقين الأوائل في إعلان الثورة, والانتفاض على النظام السوري على مستوى محافظة إدلب, وخرجوا في مظاهرات سلمية عارمة نصرة لأهل مدينة درعا..
كانت أولى المظاهرات التي خرج بها أبناء المدينة بتاريخ “1-4-2011” في يوم جمعة الشهداء نصرة لمدينة درعا وأهلها, ثم اتسع الحراك الشعبي داخل المدينة وبدأت المظاهرات السلمية تستقطب أعداداً أكبر من المحتجين, حتى شهدت المدينة مظاهرة كانت هي الأكبر من نوعها بتاريخ “3-6-2011” في جمعة الحرية, واتخذ الحراك منحىً جديداً تمثل بخروج المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والكرامة في الصباح والمساء, وخصوصاً خلال شهر رمضان في عام الثورة الأول “آب 2011”.
قدمت المدينة شهيدها الأول بتاريخ “15-7-2011”, والمفارقة هي سقوط هذا الشهيد برصاص قوات الأمن في حي القابون الدمشقي, “الشهيد وجدي صادق”, وقد شيعه الآلاف من أبناء مدينته في مظاهرة ضخمة..
مالبث أن تطور الحراك تطوراً كبيراً, ليتحول إلى إضرابات وصلت لدرجة العصيان المدني في المدينة, هذا ما دعا قوات النظام السوري إلى اقتحام المدينة بالدبابات والآليات العسكرية مرتين, ما أوقع عشرات الشهداء والجرحى, حيث اقتحمت قوات النظام أحياء المدينة لأول مرة بتاريخ “9-8-2011” وسط إطلاق نار كثيف, قام عناصر الأمن بشن حملات اعتقال واسعة طالت عدداً كبيرا من شبان ورجال المدينة.
أما المرة الثانية فكانت بتاريخ “13-10-2011” وسقط فيها “12” شهيداً من أبناء المدينة في المواجهات مع الأمن والجيش دفاعاً عن أهل المدينة, وفي اليوم التالي خرج الأهالي بمظاهرة سلمية أمام دبابات النظام مطالبين برحيل الأسد وإسقاط النظام.
خرجت قوات النظام السوري من المدينة بعد معارك مع أبناء بنش المنضوين في كتائب مسلحة تابعة للجيش السوري الحر, ومنذ ذلك الوقت والمدينة تتعرض لحملة عنيفة من القصف الكثيف باستخدام الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات..
قدمت مدينة بنش مئات الشهداء خلال الثورة السورية من المدنيين والمقاتلين, ونزح عدد كبير من سكانها خارج المدينة نتيجة حملات القصف العنيف من الطائرات الحربية الروسية والسورية..
أما اليوم فقد عاد ما يقارب نصف سكان المدينة إلى بيوتهم التي تدمر قسم كبير منها,وسط صعوبات كبيرة في تدبير أمورهم المعيشية مع انقطاع الماء والكهرباء والاتصالات عن المدينة..
مجلة الحدث-مدن ثائرة