فكر بغيرك

محمود درويش

وأنت تعد الفطور فكر بغيرك …

لا تنسى قوت الحمام

وأنت تخوض حروبك فكر بغيرك…

لا تنسى من يطلبون السلام

وأنت تسدد فاتورة الماء فكر بغيرك …

من يرضعون الغمام

وأنت تنام وتحصي الكواكب فكر بغيرك …

ثمة من لم يجد حيزا للمنام

وأنت تحرر نفسك بالاستعارات فكر بغيرك…

من فقدوا حقهم في الكلام

وأنت تفكر بالآخرين البعيدين فكر بنفسك…

قل: ليتني شمعة في الظلام.

 

إضاءة على النص

 

حين نقرأ هذه القصيدة للشاعر محمود درويش نشعر بشرارة تتقد في الصدر، تحاول أن تشعل نيران ثورة في أعماقنا.. ثورة على أنفسنا المتقوقعة في حب الذات البعيدة عن التماس الألم في معاناة الآخرين.

 

(فكر بغيرك) جملة كررها الشاعر مراراً وتكراراً في النص، لم يكن تكرارها عبثياً وإنما لغاية في نفس الشاعر يحاول من خلالها استثارة عواطفك الداخلية وتحريك الإنسانية النائمة في ضمائر الشعوب العربية.

 

نلاحظ في النص انصهار الفطرة الطبيعية في الشعرية المكتسبة وذوبان أنا الشاعر في بوتقة المأساة الجماعية مما أخرجه عن البعد الجغرافي الذي سيطر عليه إلى بعد وجودي، كما نعلم أن الشاعر محمود درويش ق تبنى الدفاع عن القضية الفلسطينية في أشعاره حتى أصبح يسمى شاعر القضية الفلسطينية، ولكنه في هذا النص تحرر منها ليخاطب الإنسانية أجمع دون أن يحدد شعبا على وجه الخصوص، فجاءت قصيدته تصب في صميم الإنسانية جمعاء.

 

ولو عدنا قليلا للنص لرأينا جملة منفردة في ذاتها وحيدة خارجة عن سياق الجماعة الذي يتحدث به الشاعر ألا وهي (فكر بنفسك) لم يا ترى حاول الشاعر أن يلفت الانتباه للأنا الذاتية وهو في كل قصيدته حاول أن يركز على التفكير في الآخرين؟!!

 

إن الشاعر في هذه الجملة حاول أن يلهم القارئ وينيره إلى الحل الصحيح ليقول لك (فكر بنفسك) هذه العبارة تدل على أن الحل عزيزي القارئ يكمن في يدي كما يكمن في يدك أنت، أمعن النظر في الجملة وكررها مرارا وتكرارا ستجد أنك أنت تستطيع تغيير الواقع ولا أحد سواك، عليك أن تنطلق من ذاتك أولا ومن لم يكن منا خير لنفسه لن يكون به خير للآخرين.

 

حاول الشاعر إيقاظ الروح النائمة في أعماقنا ليبث فيها الحياة .. ليوقظ الشعب الغافل، ويزيح الغشاوة عن أعينه ليرى الواقع المؤلم الذي يعاني منه الجميع، ليقول لك بإشارة خفية التفت لنفسك وانهض بها لتنهض بالمجتمع.

 

ونرى أن استخدام الشاعر للكلمات السهلة البسيطة في جميع أبياته السابقة جعلها في متناول الجميع وليس حكرا على الطبقة المثقفة وإنما خاطب بها جميع العقول على حد سواء وهذا ما يضفي على النص الشمولية والانفتاح.

 

ولعلنا حقا بحاجة إلى أن نفكر بالآخرين كما نفكر بأنفسنا، إن ظروف الحياة القاسية والمريرة التي يعاني منها وطننا سوريا لن تنتهي وتتلاشى إن لم أبدأ بنفسي أولاً.. وأصلح من ذاتي ثم انتقل إلى العالم أجمع لأرتقي به، إن مهمة الإصلاح والنهوض تقع على عاتق الجميع.

 

مجلة الحدث_ نور سالم

لتصفح العدد كاملاً

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist