قبل أيام كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله أن عرضا قُدم للسعودية بحل يرضيها ويؤمِّن مصالحها في اليمن، مقابل حل في سوريا يرضي إيران، وهو ما سبق أن قلناه مرارا، لا سيما أن أساس المخطط وراء سيطرة الحوثيين على اليمن كانت تنطلق في الأصل من هذا البعد المتعلق بمقايضته بسوريا، وهو ما رفضته السعودية طوال الوقت، فيما كانت عملية عاصفة الحزم مفاجأة بكل المقاييس بالنسبة لإيران التي لم تتوقع من السعودية خطوة كهذه، وإن اعتقدت أنها ستبادر إلى دعم أطراف داخلية في اليمن لمواجهة التمدد الحوثي.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى هذا الإجرام الذي مارسته إيران في اليمن، إذ دفعت أقلية نحو النزول من صعدة واحتلال البلد بقوة السلاح، بالتعاون مع طاغية مخلوع من أجل مقايضة ذلك ببقاء النظام في سوريا، وهي مقتلة للحوثيين أنفسهم وتدمير للبلد بأسره، ما يعني أن كل ضحية سقط وسيسقط في اليمن، وكل بيت دُمر هو مسؤولية الولي الفقيه وليس أحدا آخر، وأي كلام غير هذا بلا قيمة، لأن من العبث الاعتقاد أن السعودية، فضلا عن غالبية اليمنيين كان يمكن أن يقبلوا أمرا كهذا بعد ثورة رائعة خاضوها ضد نظام طاغية فاسد يمثله علي صالح، كما أن من العبث الاعتقاد أن السعودية كان يمكن أن تسمح بالعبث بخاصرتها الأهم على ذلك النحو.
الآن، يبدو المشهد مثيرا لجهة التصعيد العسكري في اليمن وسوريا، وإلى جانبه التفاوض في فيينا على الملفين، وإن بشكل منفصل، فيما يعلم الجميع أنهما مرتبطان بعضهما ببعض، ولا يمكن الفصل بينهما بحال من الأحوال، لأن العنوان هنا لا يتعلق بمطلب المقايضة الذي تعرضه إيران، والذي زعمت صحيفة حزب الله أنه بات من الماضي بعد التدخل الروسي، وهو لن يكون كذلك بحال، بل يتعلق أيضا بحقيقة أنه يتعلق بمواجهة مشروع التوسع الإيراني الذي أشعل هذا الحريق الواسع في المنطقة، والذي يشمل إلى جانب اليمن وسوريا كلا من العراق ولبنان الذي لن يحصل على الأرجح على رئيس قبل تسوية إقليمية شاملة.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم في ظل بيان فيينا والمفاوضات التي ستتواصل لاحقا، إن حول الملف اليمني أم السوري، هو ذلك المتعلق بإمكانية النجاح، لا سيما أنها المرة الأولى التي يتم خلالها التفاوض بين طرفي الأزمة الأهم، أعني السعودية وتركيا وقطر من جانب وإيران وروسيا من جانب آخر.
هنا والآن، نحن أمام تفاوض بالسلاح، لأن بيان جنيف ينطوي على شياطين كثيرة في التفاصيل لا يحسم وجهتها غير تطورات الميدان، وإذا شئنا تخفيف الأمر، فهي مرحلة عض أصابع، لأن الجميع في أزمة دون شك، ومن يعتقد أن إيران أصبحت أكثر قوة بالوجود الروسي في سوريا، فهو واهم، والسبب أنه إيجابي من جانب، لكنه إشكالي من جانب آخر، إذ يرتب هيمنة روسية على الملف السوري، ستجعل إمكانية بيعه في أية لحظة ممكنا في سوق السياسة، فضلا عن إرادة محافظي إيران المتعلق بإدامة الهيمنة على البلد، والتي تجاوزت الأمن إلى السياسة والثقافة أيضا.
الكل مأزوم والكل مستنزف، لكن التراجع بالنسبة للتحالف السعودي التركي القطري سيكون مكلفا، ولن يكون واردا تبعا لذلك على الأرجح، بخاصة بعد فوز أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وهو على كل حال يبدو أقدر على مواصلة المعركة من إيران، وحتى من روسيا التي تدرك أن إمكانية التورط كبيرة، بخاصة في ظل الدعم الأميركي والأوروبي لمسار من هذا النوع، وإن التقى الجميع على إرادة الحفاظ على النظام.
في أي حال، يمكن القول إن زمنا ليس بالقصير لا زال يفصل بيننا وبين تفاهم على الملفين اليمني والسوري، مع إمكانية حسم في اليمن، فضلا عن حقيقة أن ما بين التفاهم، وبين فرضه على أرض الواقع زمن، ربما كان أطول في ظل حقيقة العوامل الموضوعية على الأرض، وفي مقدمتها نفوذ تنظيم الدولة في العراق وسوريا، مع التذكير بأن العراق سيكون جزءا من سياق المفاوضات، وما هذه الحرب المعلنة على العبادي من قبل أدوات إيران إلا جزءا من الصراع، من دون أن يعني ذلك تزكية للأخير الذي لا يحاول التمرد على إيران بقدر ما يسعى لسياسة أكثر توازنا من سلفه، حتى لا يتكرر معه ذات المصير.
الدستور