قال المختص بالصحة النفسية براء الجمعة لمركز الصحافة الاجتماعية أن الانتحار أصبح ظاهرة عامة في سوريا وتحدث الجمعة عن أهم أسبابه وعلاماته وطرح حلولا للحد من انتشارها.
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف العاشر من تشرين الأول من كل عام، أقامت جامعة إدلب مؤتمراً في الصحّة النفسية، تحت شعار “لنجعل الصحة النفسية أولوية للجميع”.
تنوع الحضور بين طلاب ومهتمين في علم النفس وحضور أكاديمي من الجامعة، تحدث في المؤتمر عدة مختصين وعاملين في مجال الصحة النفسية والإرشاد، وتمركزت مشاركاتهم حول المفاهيم الخاطئة في الصحة النفسية ودور العاملين فيها.
فقدم المحاضر والمختص النفسي العيادي “براء الجمعة” محاضرة بعنوان “البعد المجتمعي ودوره في العافية النفسية للمجتمع والفرد” قدم فيها إضاءات جوهرية في البعد القيمي المجتمعي نحو العافية النفسية وذكر فيها “حتى نصل لعافية نفسية
ملائمة” يجب الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة مفاهيم:
-المجتمع: من المجتمع الكبير إلى الأصغر تدرجاً إلى الأسرة والفرد.
ومجمله المجتمع المحلي مجموعة من الجماعات يجب فهم تركيبة المجتمع.
-الهوية: وتحدث عن الهوية الذاتية و الفردية والمجتمعية ونوّه إلى أن الهوية الفردية قيمة لا تتجزأ عن هوية المجتمع.
-ثقافة مجتمعية: وذكر فيها يجب معرفة تفاصيل الثقافة من عادات و تقاليد وطقوس، وسرديات ومراسم الأفراح والموت …الخ.
ولا يمكن التوصل لعافية نفسية مستدامة، دون الوصول إلى هذه المفاهيم، وفهمها مجتمعة مترابطة متداخلة في التفكير الجمعي للجماعة.
وعلى هامش المؤتمر، كان لمراسلي المركز، لقاء خاص مع المحاضر والمختص بالصحة النفسية “براء الجمعة”، حول شيوع ظاهرة الانتحار في سوريا عموماً.
_تختلف التكهنات في الشارع فما آراء العلم في الانتحار؟
_تختلف الآراء الاجتماعية والنفسية حول ظاهرة الانتحار، الطبيب النفسي الفرنسي دومينيك سكيرول يقول: إن الإنسان لا ينهي حياته إلا بالجنون، وقال إن من ينتحر هو ضحية ذروة العدوان التي وجهها لنفسه بدلاً من الميل نحو المجتمع.
يعرف دوركايم الانتحار هو : “جميع حالات الوفاة المباشرة والغير مباشرة الناجمة عن فعل إيجابي أو سلبي ، من قبل الضحية الذي يعرف أنها سوف تؤدي إلى هذه النتيجة”
استنتج دوركايم أنه كلما كان الشخص أكثر اندماجًا في المجتمع، قل احتمال ميله إلى الانتحار، ومع انخفاض مستوى الاندماج والتواصل الاجتماعي، يزداد احتمال قيام الناس بالانتحار.
_حول ارتفاع معدلات الانتحار في سوريا، فصدر تقرير عن “منسقي استجابة سوريا” يقول بأنها سجلت 75 حالة انتحار منذ مطلع هذا العام، 25 حالة منها باءت بالفشل؟
معدلات الانتحار في سوريا آخذة بالتصاعد ، حيث الأزمات ، والحروب والتهجير ، والعواصف الاجتماعية والسياسية ،
والمشاكل الاقتصادية والضغوطات الحياتية المتنامية، ولا أعتقد هناك إحصائية دقيقة، فالتكتم على بعض الحالات الثقافة الدينية الإسلامية وتحريم الانتحار_ وحالات يمكن أن تكون قتلا ودونت انتحار.
فالعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لها دورها، على الرغم من أن الانتحار لا يقتصر على حالة اجتماعية واقتصادية معينة ،
إلا أن التعليم المنخفض والبطالة وبالتالي الحالة الاجتماعية والاقتصادية السيئة، بالإضافة إلى القضايا الثقافية الخاصة،
فرؤية الفرد لعادات أو سلوكيات معينة لا تتناسب مع ميوله وذائقته النقدية قد تكون من العوامل الخطرة المؤدية للانتحار.
وكما لحل المشكلات بين الأشخاص ،تركز معظم الأبحاث حول عوامل الخطر المعرفية للانتحار، على ضعف مهارات حل المشكلات لدى أولئك الذين ينتحرون. على هذا الأساس ، يكون الأطفال والمراهقين والبالغين ذوو الميول الانتحارية، لديهم مهارات ضعيفة في حل المشكلات، عندما تصبح القضايا أكثر شخصية ، يصبح ضعفها أكثر وضوحاً.
وللكمالية فالكماليون يهتمون بشدة بحرصهم الشديد على عدم ارتكاب أخطاء في عملهم ، ونتيجة لذلك يصبحون عرضة لتجارب الفشل ، وهذا ينشط قدرتهم المحتملة على الانتحار.
في المحصلة ، يمكن القول أن الانتحار مشكلة خطيرة في الصحة العامة والصحة النفسية ايضاً،
ورغم تنامي هذه المشكلة إلا أن التدخلات المفيدة مع السكان ما زالت قليلة وخجولة، ولا تتماشى مع حجم الخطر والظاهرة الآخذة بالاتساع والانتشار،
وبعد مراجعة الأدبيات البحثية ذات الصلة ، يبقى السؤال الهام حول ما إذا كان العلاج النفسي وحده يمكن أن يكون نتيجة مقبولة،
وذات مغزى ورضا للأشخاص الذين يعانون من أفكار وميول ومحاولات انتحارية، كما أن يدا واحدة ليس لها صوت، فأيضا التدخل النفسي لوحده دون التكامل مع تداخلات أخرى لن يكون له الصوت والأثر المرتجى.
_ علامات تشير إلى الانتحار
_الانتحار له علامات على الرغم من أنها قد لا تكون مرئية، إلا أنها مهمة كمؤشرات إنذارية ما قبل الانتحار،
ومن خلال تحديدها وتقييمها بعناية، يمكن تقليل مخاطر السلوكيات الانتحارية، تتضمن هذه الإنذارات: العلامات اللفظية والعلامات السلوكية.
العلامات اللفظية: تشمل هذه العلامات التعبيرات اللفظية التي يمكن أن تعبر بشكل مباشر أو غير مباشر عن الرغبة في الموت،
بعض هذه الجمل هي:
“لن أكون هنا العام المقبل”.
“هذه آخر مرة ألتقي بك”.
“الحياة لا تستحق العيش”.
“أتمنى ألا أستيقظ أبدًا بعد النوم” و ….
العلامات السلوكية: تشمل السلوكيات التي قد تشير إلى علامات خطر الانتحار ما يلي:
• اللامبالاة بالمظهر والملابس
• تغير مفاجئ في الوزن
• الهروب من المنزل
• السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وغير الدقيقة
• حادثة
• تغيرات مفاجئة وجذرية في الشخصية والمزاج
• الأعراض الواضحة للمرض والاضطراب النفسي (مثل الهلوسة)
• تغيير أنماط النوم
• سلوك إيذاء الذات أو أي نوع آخر من سلوك إيذاء الذات
• الفرح المفاجئ بعد فترة طويلة من الحزن
• تبرع بممتلكات القيمة للآخرين
_آراء ومقترحات تخص المجتمع والدولة:
_ في البداية لا بد من الإشارة، لا يزال العديد من رجال الدين، يتصارعون مع حقائق الصحة النفسية في النظرة للاضطراب وأساليب التدخلات،
ويؤخرون وصول المرضى إلى المتخصصين، لفترات طويلة أو حتى بشكل دائم مما ينعكس سلباً على حالة ووضع الشخص الذي يعاني من شكايات نفسية، وبالتالي ، لا تزال هناك حاجة ملحة لإيصال مفاهيم الصحة النفسية بشكل منطقي وعلمي ومنهجي من خلال التعاون مع هذه المجموعات عبر لقاءات ورشات وتدريبات بسبب دورها الواسع في تشكيل الرأي العام والتأثير به.
لم يتم حتى الآن استخدام وسائل الإعلام والتواصل لتعزيز الصحة النفسية بشكل فعال ، قد يكون من المفيد عقد ورش عمل تثقيفية حول الصحة النفسية للعاملين في مجال التربية والتعليم ووسائل الإعلام.
يظل المجال القانوني بعيدًا تمامًا عن التفاصيل العلمية المعاصرة للصحة النفسية حتى يومنا هذا ،
لا يوجد قانون للصحة النفسية ناظم وفاعل في المنطقة، ولا حتى على صعيد الجهات العاملة في مجال التدخلات النفسية من حيث تنظيم عمل الممارسين وترخيص مزاولة مهنة وصون حقوق مقدمي الخدمة ومتلقيها.
لا يكفي تسليط الضوء إعلامياً، والنظر إلى الانتحار كظاهرة متصاعدة وتنتشر، أولاً الإعلام بحاجة إلى ميثاق مهني للتعامل معها لحفظ كرماتها وخصوصيتها الإنسانية، وكما يجب على المجتمع والدولة البحث في ما وراء الظاهرة “الأسباب والمشكلات المسببة” والتركيز على الجانب الوقائي، كل في موقعه، مثل الفقهاء وتعزيز الثقة بالنفس وتماسك المجمتع ودعم شبكات الدعم المجتمعي.
ويمكن للدولة اتخاذ بعض الإجراءات الصارمة، مثل قوانين تشريع تداول حبوب الغاز، والحد من التسيب في حمل السلاح، ونشر التوعية السليمة في المجتمع.
تقرير خبري / عادل الأحمد