لا شك أن انخفاض أسعار النفط أثرت على اقتصاد دول العالم بشكل كبير، فبعضها تأثر اقتصاديا بسبب اعتماده بشكل أساسي على تصدير النفط، مثل السعودية، والبعض الآخر تأثر سياسيا بسبب استهدافه من دول أخرى أو نتيجة لسياسته التي يتبعها في المنطقة، وهذا ما حصل مع دولة مثل روسيا.
وبما أنه لا شيء يحدث في العالم من تلقاء نفسه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي الذي يرتبط تلقائيا مع سياسة الدول المتحكمة في العالم، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط ووصولها إلى مستويات متدنية، يبدو أن الاقتصاد الروسي بدأ بالتداعي، بالتزامن مع تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سوريا، في وقت يفرض فيه العالم عقوبات اقتصادية على روسيا، الأمر الذي من شأنه أن يودي به للانهيار.
لعبة أمريكية
تفيد تحليلات الخبراء الاقتصاديين بأن مصدر التحكم في سعر النفط وكميه انتاجه هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر ذلك الأمر من ركائز الأمن القومي الأمريكي. هذا الأمر ليس جديدا، ففي دراسة سرية جداً لوزارة الطاقة الامريكية وجهتها إلى وزارة الخارجية بتاريخ 24/10/1984 جاء فيها أن “سياستنا يجب أن تنحوا نحو هبوط أسعار النفط 30-40% وذلك لمعافاة الاقتصاد الأمريكي”.
لم يكن الهدف من تخفيض أسعار النفط عام 1984 فقط تحفيز الاقتصاد الأمريكي، بل كان هناك هدفا آخر يقضي بإنهاك الاتحاد السوفيتي الذي كان يحارف في أفغانستان، والآن يعيد التاريخ نفسه وتسعى أمريكا لإنهاك الاقتصاد الروسي وكسرها سياسيا، خاصة مع تورطها في أوكرانيا والأزمة السورية، ودعمها لنظام بشار الأسد وقصفها لمواقع المعارضة السورية بحجة القضاء على تنظيم داعش الإرهابي.
انخفاض أسعار النفط
يقول الخبير الاقتصادي عبد الحي زلوم في مقال له، إن انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه روسيا في دخلها بنسبة 50%، جعل مسألة تدهور اقتصادها واردا في كل لحظة. وبالرغم من مرور روسيا في أزمة اقتصادية سابقة بسبب انخفاض سعر النفط، إلا أن اقتصادها صمد وتكيف على تلك الأزمة، بعد انهيار الروبل، وفرض العقوبات عليها بعد أزمة أوكرانيا، ومن ثم وصول دين روسيا عام 2014 إلى 70 مليار دولار وحوالي 40 مليار دولار في الشهر الذي يليه، وإثر هذه الخسائر تصرف البنك الروسي بشكل استوعب الضربة.
ويضيف زلوم: “بحسب دراسة قامت بها أجرتها مؤسسة Bloomberg، كانت النتيجة أن 15 من أصل 27 تم سؤالهم عن سعر النفط الذي سيزلزل الاقتصاد الروسي فكانت إجابتهم أن 30 دولار للبرميل كفيل بزلزلة الاقتصاد الروسي، وأن روسيا غير مستعدة ولا مؤهلة لاحتمال هذه الصدمة الثانية، ويعرض الروبل إلى هبوط حاد آخر، لذلك قررت أمريكا خفض أسعار النفط الى 30 دولاراً”.
وزير المالية الروسي كان قد صرح أن روسيا تأقلمت مع هبوط الأسعار وأن هبوط حتى 40 دولار، لن يؤثر كثيراً على روسيا ، لكن البنك المركزي الروسي قام بدراسة نتائج سعر وصول النفط إلى سعر أقل من 40 دولار، فخرج بنتيجة أن الاقتصاد الروسي سوف يتقلص بمقدار 3% وأن أسعار السلع ستزيد حوالي 7%.
تخبط في سوريا
مع تصاعد الهجمات الروسية في سوريا، ومع الدعم الكبير الذي تقدمه لنظام بشار الأسد، وصلت تكلفة انفاق روسيا على العمليات العسكرية التي تقوم بها في سوريا إلى 80 – 115 مليون دولار، فيما بلغت تكلفة الغارات الجوية لروسيا وحشدها العسكري بين 2.4 – 4 ملايين دولار يوميا، ويُعتقد بأن التكلفة اليومية لتحليق المقاتلات الروسية بمعدل تسعين دقيقة، والمروحيات قرابة الساعة، ارتفع إلى 710 آلاف دولار، كما أن الطائرات الحربية الروسية تلقي يوميا قنابل وقذائف تقدر تكلفتها بنحو 750 ألف دولار، ووصلت النفقات اللوجستية اليومية إلى 1500 عسكري روسي في سوريا، أي نحو 440 ألف دولار.
وتصل التكلفة اليومية للوحدات الموجودة في قاعدة طرطوس على البحر المتوسط في سوريا، والقاعدة في بحر قزوين نحو مئتي ألف دولار، بينما يعتقد بأن ترتفع كلفة النفقات اليومية للأنشطة الاستخباراتية والاتصالات والأمور اللوجستية الأخرى لروسيا في سوريا إلى 250 ألف دولار.
هذه النفقات الهائلة من شأنها أن تسرع في انهيار الاقتصاد الروسي، بحسب ما يراه مراقبون اقتصاديون، فروسيا لن تتحمل كل هذه التكاليف بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط والخطط الأمريكية التي تسعى لإنهائها.
خسارة اقتصادية مع تركيا
من جهة أخرى، يرى خبراء في الشأن الاقتصادي، أن مبادرة روسيا بقطع علاقتها الاقتصادية مع تركيا، وتجميد بعض المشاريع الاستثمارية المشتركة، بالإضافة إلى تقييد الواردات الغذائية من تركيا، من شأنه أن يفاقم تدهور الوضع الاقتصادي لروسيا، حيث أنها ستخسر أكبر الأسواق التي تتعاون معها، سواء على صعيد الصادرات أو الواردات.