صحيح أن سورية واليمن لا تجمعها حدود مشتركة، والصراع الدائر فيهما يختلف في طبيعته عن الآخر، لكن ذلك لا يُعدّ مقياسًا للجزم بعدم وجود علاقة جامعة في كلتا الحالتين، فالمقياس الأساسي للدلالة على الترابط بينهما يكمن في البحث عن هوية اللاعب الأبرز في الساحتين السورية واليمنية وهو الإيراني.
في سورية، بدأت الحرب بثورة شعبية ذات مطالب مشروعة تمثلت في إسقاط نظام استبدادي وإقامة آخر ديمقراطي، والشعارات التي أطلقت في بدايات الثورة لم تحمل أي صبغة طائفية. النظام السوري برع في حرف الثورة عن مسارها وحوّلها إلى نزاع طائفي مقيت، والأسد شخصيًا كان يعوّل على ذلك من البداية، وما كان لينجح في مبتغاه لولا التدخل الإيراني الذي ساهم بتفكيك النسيج الاجتماعي السوري وفرز السوريين ما بين سني وعلوي وشيعي ومسيحي ودرزي وغير ذلك. والمفارقة أن هذه النزعة لم تظهر بالشكل الحالي لا في زمن الأسد الأب ولا في عهد الابن حتى تاريخ اندلاع الثورة في 2011، رغم أن مقومات بروزها كانت متوفرة.
طبيعة الحرب في اليمن تختلف نوعًا ما عن سورية، حيث أن الصراع الحالي انفجر بعد انقلاب المتمردين الحوثيين على الشرعية التي أفرزتها الثورة على نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلاّ أن الحرب أخذت أبعادًا طائفية بفعل التدخل الإيراني الذي أحدث هوة كبيرة بين أبنائج المجتمع اليمني بعد أن كان يمثل نموذجًا شرق أوسطي نادر في التعايش بين السنة والشيعة.
الجنرالات الإيرانيون لا يجدون حرجًا في الإقرار بالاعتبارات الطائفية التي دفعتهما إلى إرسال أسلحة ومقاتلين إلى اليمن وسورية لدعم حليفيهما. فقد خصصت إيران ميزانيات مالية وعسكرية ضخمة للحيلولة دون سقوط الأسد والحوثيين، وأرسلت مرتزقة لدعمهما، رغم معرفتها المسبقة باستحالة الحسم العسكري لصالح حلفائها، ما يؤكد أن هدف الإيرانيين هو إطالة أمد الحربين قدر الإمكان.
ما لم تستطع إيران تحقيقه في الحربين السورية واليمنية، حاولت إنجازه عبر المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة. وقد برز الدور الإيراني بشكل فعّال في عرقلة المساعي الأممية، من خلال التشابه الكبير في طريقة تعاطي وفدي النظام السوري والحوثيين في المحادثات، في حالة أقرب إلى تنفيذ تعليمات تصدر من غرفة عمليات واحدة مقرها طهران.
في محادثات جنيف السورية على سبيل المثال، أتقن بشار الجعفري رئيس وفد النظام تمييع المفاوضات وحرفها عن مسارها الحقيقي المتمثل في تحقيق الانتقال السياسي بعيدًا عن الأسد. والمتابع لكواليس ما دار في جلسات جنيف الأخيرة بنسختها الثالثة، يتفاجأ بالوسائل التي لجأ إليها الجعفري في المفاوضات. يذكر دبلوماسيون غربيون على دراية بتفاصيل المحادثات أن الجعفري احتج في إحدى الجلسات على لجوء المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى كتابة المحضر بخط يديه بدل أن تتم طباعته عبر جهاز الحاسوب. قد يُبرر الأمر في فن إدارة المفاوضات، لكنّه لا يعكس بالتأكيد نوايا صادقة في إنجاحها.
نفس المسار سلكه الحوثيون في مشاورات الكويت وما سبقها من محادثات رعتها المنظمة الدولية، لدرجة أن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ لم يستطيع حتى اليوم إقناعهم بالشروع في مناقشة البنود الخمسة التي جاؤوا على أساسها إلى الكويت، والتي تفضي في النهاية إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الجولي رقم 2216، القاضي بانسحابهم من المدن التي احتلوها وتسليم أسلحتهم للدولة. وقد عملوا طيلة الجلسات العقيمة على طرح قضايا من خارج جدول الأعمال تارة، والمطالبة تارة أخرى بمناقشة القضايا الأمنية قبل السياسية، في محاولة لا يمكن أن توضع إلّا في إطار إفشال العملية السياسية.
الاستراتيجية الإيرانية في مفاوضات اليمن وسورية تهدف في شكلها الظاهري إلى التهرب من استحقاق التسوية وما يفرضه من انحسار لنفوذها في هذين البلدين، وهو ما لا يبدو واردًا في الأجندة الإيرانية. من هنا، لا يمكن تعليق أي آمال على المفاوضات طالما أن الرغبة الإيرانية في إنجاحها غير متوفرة حتى الآن. لكن من المهم أيضًا الأخذ في عين الاعتبار أن المضي قدمًا في مساعي التسوية السورية واليمنية من دون ظهور انعطافة في الدور الإيراني ستكون له نتائج عكسية، تتمثل في تكريس هذا الدور بدلًا من تحجيمه.
محمود علوش – ترك برس