هذه الأرواح البريئة المرمية على الأزقة والشوارع لذنبٍ لم ترتكبه، أو ربما لجريمة كانوا ضحيتها، تراهم بين أكياس القمامة، أو عند مداخل المساجد، ملتحفين السماء ملجأً، وبعيونٍ ذابلةٍ ينتظرون إنسانية أحدهم، ينتشلهم من هذا الحال المزري، ليحيَوا كباقي الأطفال بأمانٍ وسكينة.
قد لا يكون هذا الطفل المجهول يريد معرفة من هم والديه، بقدر ما يريد يداً حانيةً وحضناً دافئاً يعوضه فقد الاثنين معاً.
من هو اللقيط؟
بحسب اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، يُطلق مسمّى ” الطفل ” على كل شخص يقل عمره عن 18 عاماً؛ أما الطفل اللقيط، فهو الطفل الذي عثر عليه في مكانٍ عام، وهو في سن الرضاعة لا يستطيع تمييز من هم أبواه، ولايعرف ذويه أحد.
هناك فرق بين الأطفال اللقطاء، والمشردين الذين لا قيد لهم، فمنهم من أضاعه أهله في مكانٍ ما، ومنهم أبناء المقاتلين الأجانب، الذين أتوا إلى البلاد، وتزوجوا لفترةٍ وجيزةٍ ثم غادروها، هاجرين الزوجات والأولاد، أو قُتلوا في المعارك؛ وكذلك الأطفال الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض، فاقدي العوائل أثناء القصف الذي تعرضت له مدن وأرياف البلاد، فوجب التمييز بين الأطفال اللقطاء، ومجهولي النسب أو مكتومي القيد.
الأسباب:
منها بحسب رأي المحامي “محمد الطويل” ، عدم الاهتمام بالجنس البشري من قِبل المجتمع الدولي أولاً، حيث لم يراعِ الحروب والكوارث الإنسانية خلال السنوات الماضية ومعاناة الأبرياء، ومن جهة المصالح الشخصية التي طغت على العلاقات الاجتماعية، خاصةً عند ضِعاف النفوس الذين استغلوا الفقر بعلاقات غير شرعية، أو السِفاح، حيث الحاجة التي تدفع بعض النساء لرمي الأطفال للتخلص منهم خشية الفضيحة، والتستُّر على تلك العلاقات المشبوهة، ناهيكم عن النزوح والبطالة وقلة الدعم الغذائي للأطفال الرضع والأمهات المرضعات والغلاء، فقد تؤدي تلك الأسباب لإلقاء بعض الآباء، لأبنائهم في الشوارع بسبب الحالة الاقتصادية المتردية.
وكما ذكر الدكتور “حسن قسوم” المدير الطبي في مستشفى النسائية والأطفال في أطمة، أنه خلال الثلاثة أشهر الماضية تم تقديم الرعاية الصحية لثلاثة أطفال رضع لقطاء بشكل كامل، وضعوا في قسم الحواضن الخاص في المشفى لحين انتهاء الفحص الطبي، حتى إذا ما استقر وضعهم الصحي بشكل جيد تم تسليمهم الى دار رعاية الأيتام. ويرى “قسوم” أن سبب انتشار هذه الظاهرة يعود إلى تأزُّم الوضع المعيشي في الشمال السوري، ما نتج عنه من فقر وتخلف وجهل، وأشار الى ضرورة نشر التوعية ورفع الوازع الديني والأخلاقي، والعمل على إيجاد فرص عمل كافية تضمن استقرار وضع الأسر الفقيرة في الشمال السوري.
ما هو موقف القانون من هؤلاء الاطفال؟
بما أنه لا قانون يحمي هؤلاء الأطفال ولم يعثر على أي منظمة أو جهة أهلية تُعنى بالرعاية بالأطفال فاقدي النسب، يضيف المحامي “محمد الطويل” فيقول: ” القانون لحماية النفس البشرية، لكننا اليوم نعيش ظروف لا نحسد عليها نتيجة العشر سنوات من الحرب وسط تجاهل المجتمع الدولي، فلا بد من إيجاد جهات أو إدارات خاصة تضع عقوبات صارمة لمرتكبي هذه الأفعال، والاهتمام بتسجيل الفتيات اللواتي تزوجن بطريقة شرعية من أجانب، وهجرهن أزواجهن ليتركوا بين أيديهن أطفالاً غير معروفي النسب، إذ لا يُعلم اسم أبيه أو من أية دولة جاء.
لم يكن هناك قوانين تُعنى بهذا الأمر، لعدم وجوده سابقاً، لكنه اليوم مُنتشرٌ، و توجد حلول أو قوانينَ تحميهم، أو جهةٌ توثّق أعدادهم و بياناتهم، فضلاً عن المصير المجهول الذي ينتظر الطفل اللقيط،أو مجهول النسب، وفقاً لما شرحه المحامي “محمد الطويل” بقوله: إن هذا الطفل الصغير لن يبقى صغيراً وهو عندما يكبر سيُقدم على الانخراط في سوق العمل وسيتزوج ويمارس حياته الطبيعية، فكيف يتم ذلك بدون إثبات شخصيته في المجتمع فيجب تسجيل قيده كلقيط والنشر عبر وسائل التواصل أنه تم التقاطه وفي أي مكان خصوصاً أنه لم يتم تحديد الأعداد بسبب الانتشار اللامحدود”.
هؤلاء الأطفال الأبرياء منهم من حالفه الحظ، ووجد أسرةً تأويه وتربيه وتعتني به، ومنهم من ينتظر، إلا أن مستقبلهم جميعا مايزال مظلماً.
فهل ينتبه المجتمع إلى حجم الكارثة المستقبلية المحتملة بوجود أشخاص بلا قيودٍ قانونية تضمن حقوقهم، وتنصفهم ؟
فداء معراتي