ثمة بُعد في الحرب الأهلية الليبية الراهنة لا تُسلّط عليه أضواء كافية، هو علاقة رأس النظام السوري بشار الأسد مع المشير المتقاعد خليفة حفتر قائد ما يُسمى “الجيش الوطني الليبي”. وابتداءً من مطلع آذار (مارس) الماضي، حين ضغط حفتر على سلطة بنغازي لإعادة افتتاح سفارة ليبية في دمشق ظلت مغلقة منذ 2012، يضطرد التعاون بين النظام السوري وأجهزة حفتر ويتخذ صفة عسكرية أساساً، قوامها إرسال مرتزقة من ميليشيات قريبة من النظام، أو محسوبة على قوات سهيل الحسن تحديداً.
ومشروع المحور هذا يبدأ من قواسم مشتركة تجمع بين شخصيتًي الأسد وحفتر، سواء لجهة جنون العظمة واستسهال التدمير الأقصى للبلد وارتكاب جرائم الحرب، أو لجهة التبعية المطلقة للقوى الخارجية التى ترعى النظام وتسانده وتحمل عبء الإبقاء عليه. الأسد وريث أبيه، والمتابع لنظام الاستبداد والفساد الذي شيدته “الحركة التصحيحية” منذ العام 1970، المرتهن لإيران وميليشياتها المذهبية قبل ارتهانه إلى موسكو؛ وحفتر سليل نظام معمر القذافي وأحد ضباطه السابقين، المتدرّب لاحقاً لدى وكالة المخابرات المركزية، المرتهن اليوم إلى الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وموسكو.
قاسم مشترك ثانٍ هو الاتفاق على ملاقاة تركيا، العدو المشترك في شمال سوريا وفي جنوب العاصمة الليبية، خاصة بعد أن دخلت أنقرة طرفاً عسكرياً مباشراً في ردع زحف حفتر نحو طرابلس؛ فلم ترسل، بدورها، مرتزقة من فصائل سورية تعمل تحت إشرافها في جبهات “درع الفرات” و”نبع السلام” فحسب؛ بل أرسلت أيضاً طائرات “بيرقدار” المسيّرة التي رجّحت كفة الأجواء الليبية لصالح “حكومة الوفاق” وكبدّت قوات حفتر خسائر فادحة على الأرض، لم تقتصر على سقوط قاعدة الوطية الستراتيجية.
قاسم ثالث هو التطلع إلى أن يكون حفتر بوّابة إعادة تدوير النظام السوري لدى السعودية؛ بعد تطبيع مع نظام عبد الفتاح السيسي، اتخذ طابع الكواليس الخلفية والتعاون العسكري والأمني الوثيق؛ وتطبيع، معلَن هذه المرّة، مع الإمارات والبحرين تمثّل في إعادة افتتاح سفارتًي أبو ظبي والمنامة في دمشق. وهذه بوّابة بدت مشرَعة أصلاً منذ أن اختار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التأكيد على أنّ “بشار باقٍ”، ولكن “من مصلحة بشار ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يريدون”، و”من الأفضل أن يكون نظامه قوياً في سوريا، وهذا الأمر أيضاً سيكون إيجابياً بالنسبة لروسيا”.
موسكو هي القاسم المشترك الرابع، في مستوى التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح الأسد وحفتر، وبالتالي خضوع الاثنين لسياسات الكرملين واشتراطاته، فضلاً عن استقبال المئات من مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية التي لا تخفى صلات صاحبها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً. وسوى سلسلة المطامح الروسية المختلفة في سوريا وليبيا، الجيو ــ سياسية والاقتصادية والاستثمارية على المدى البعيد، كانت موسكو تأمل في تحقيق تلك السيطرة الجوية الفريدة التي يمكن أن يؤمّنها القوس المتوسطي الممتدّ من مطار حميميم السوري إلى سواحل بنغازي الليبية.
ورغم هذه القواسم المشتركة الأربعة، وسواها مما هو أدنى مغزى، فإنّ محور الأسد/ حفتر يبدو اليوم في حال من العطالة والرثاثة والكساح، لا تتجلى في أحوال سوريا وليبيا الراهنة فقط، بل كذلك في تحوّلات مواقف الرعاة أنفسهم. ففي جبهة الأسد ثمة اقتصاد منهار أو شبه غائب، وتكالب لضباع الأسد/ مخلوف على ما تبقى من أشلاء النهب، وجيش مقسّم في جسوم إيرانية وروسية وميليشياتية، ونار متقدة تحت الرماد في سائر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتقريع مباشر وغير مباشر تمارسه موسكو، وجفاف للقطع الأجنبي كانت إيران سخية في توفيره. وأمّا في جبهة حفتر، فللمرء أن يحدّث ولا حرج: حول التفكك العسكري، والتخبط السياسي، وانقسامات أطراف الشمال، واضطرار الكرملين إلى نشر مقاتلات ميغ ــ 29 لتغطية سحب المرتزقة…
هو، في الخلاصة، مشهد يستدعي منطوق المثل الشعبي المصري الشهير، عن “متعوس” التقى مع “خايب الرجا”؛ فلا الأوّل أفاد، ولا الثاني استفاد!
نقلا عن القدس العربي