يزور العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الرابع والعشرين من الشهر الجاري الولايات المتحدة الأميركية، حيث سيعقد لقاء قمة بينه والرئيس الأميركي باراك أوباما بالبيت الأبيض.
وتأتي الزيارة في ظرفية إقليمية حرجة في ظل انقلاب موازين القوى الميدانية في سوريا، وتصريحات المملكة العربية السعودية بإمكانية التدخل البري في هذا البلد.
وأعلن الديوان الملكي الأردني أن محادثات الملك عبدالله الثاني والرئيس باراك أوباما ستتناول “الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط وأفريقيا ومناطق أخرى من العالم”.
وأضاف أن المحادثات ستتطرق إلى “سبل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة، وذلك في إطار الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في المنطقة، خصوصا ما يتصل بما يبذله الأردن من جهود في استضافته للاجئين السوريين”.
وأوضح أنه سيتم كذلك “استعراض آخر التطورات في مساعي حل الأزمة السورية عبر العملية السياسية الجارية”.
ويرجح مراقبون أن يركز لقاء الملك عبدالله الثاني بالرئيس أوباما على التطورات في المشهد السوري، لانعكاساتها الكبيرة على هذا البلد الذي يئن منذ العام 2011 تحت ثقل النزوح والتهديدات الأمنية المتربصة به على حدوده الشمالية كما الشرقية.
وتحتضن عمان أكثر من مليون نازح سوري، فيما يوجد أكثر من 16 ألف نازح آخرين على حدودها ينتظرون الأذن بالدخول.
ويخشى الأردن من أن تؤدي العملية العسكرية التي تشن اليوم في جنوب سوريا إلى لجوء المزيد من أبناء هذه المناطق إلى حدوده على غرار ما يحدث على الحدود التركية.
ويشن الجيش السوري، مدعوما بمستشارين من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني وبغطاء جوي روسي مكثف، عملية عسكرية في محافظة درعا المجاورة للأردن بالتزامن مع هجوم يشنه في محافظة حلب الحدودية مع تركيا.
وقد أعرب رئيس الحكومة الأردنية عبدالله النسور في مؤتمر صحافي مؤخرا عن مخاوفه من تفاقم الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري، قائلا “إن تكرار سيناريو أحداث حلب، التي أدت إلى نزوح 17 ألف سوري إلى الحدود التركية أمر متوقع في الجنوب أيضا”.
وسيشكل نزوح المزيد من السوريين إلى الأردن عبئا إضافيا لا تقدر المملكة على احتماله في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه، والهواجس الأمنية المتزايدة خاصة وأن هناك عناصر يشتبه في انتمائها إلى تنظيم داعش ما فتئت تحاول على مر الأشهر الأخيرة التسلل إلى داخل الأراضي الأردنية، وقد تم التصدي لها.
وليس هذا فقط مبعث القلق الأردني الوحيد لناحية المشهد السوري، فهناك معطيات تتحدث عن إمكانية تدخل جديد في سوريا وهذه المرة ستكون المملكة العربية السعودية طرفا رئيسيا فيه.
وأعربت الرياض عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا تحت شعار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن البعض يرى أنها مرتبطة بالتغيرات الميدانية لصالح النظام السوري.
ورحبت الولايات المتحدة الأميركية بالإعلان السعودي مؤكدة أنها ستدرس الأمر.
وجدير بالتذكير أن مسؤولين وجنرالات أميركيين كانوا قد اقترحوا خيار التدخل البري في سوريا أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة.
ويجد الأردن نفسه في وضع محرج، فهو لا يستطيع رفض المشاركة وإغضاب الجارة السعودية خاصة لاعتبارات اقتصادية وجغرافية واجتماعية، ومن جهة ثانية لا يستطيع خوض تجربة التدخل في سوريا غير مضمونة العواقب.
كما أن الأردن لا يريد أيضا خسارة العلاقة مع الجانب الروسي والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورا مطردا توجت بإعلان البلدين التنسيق في ما بينهما في سوريا وخاصة لجهة الجنوب.
ويقول المحلل السياسي الأردني منصور المعلا لـ”العرب”، “الملك صرح بأن هناك جنرالات في وزارة الدفاع الأميركية يملكون مقاربة جديدة للحرب على الاٍرهاب وبتقديري ما كان الأردن يمتلك أن يقدمه للتحالف الدولي للحرب على الاٍرهاب يتعارض جذريا مع ما يمكنه أن يقدمه اليوم”.
ويضيف المحلل السياسي “عمان تدرك حجم التبدل في المعادلة السورية خصوصا لجهة التدخل الروسي وهي على ضوء ذلك البوابة الوحيدة والمستحيلة أيضا للتحالف العربي، فالمملكة غير قادرة على تحمل تبعات هذا التدخل وخصوصا إذا اعتبر الروس والسوريون هذا التدخل عدوانا”.
واستبعد مشاركة عمان لسبب ثان وهو علاقتها بالقاهرة التي يكاد يجزم الكثيرون أنها لن تساهم في هذا التدخل والذي يبدو أنه ما يزال يبحث فيه بالكواليس “كون المصريين لن يشاركوا في معركة يكون ظهرهم فيها للأتراك ووجوههم للدواعش”.
وبدوره يعتقد المحلل السياسي المقيم في بروكسل، مالك العثامنة، أن الأردن لا يمكن أن يكون بوابة للتدخل العسكري في سوريا.
ويوضح المحلل الأردني لـ”العرب” أن التدخل العسكري في سوريا مغامرة متهورة في ظل الاصطفافات الإقليمية الأخيرة، والأردن، الميال للتوازنات، من غير المرجح أن يدفع بنفسه إلى مقامرة خاسرة أيا كانت نتيجتها العسكرية.
ويلفت العثامنة إلى أن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي يتوقع أن يتطرق خلالها إلى ما يروج عن التدخل، تأتي بعد حالة تفاهمات على المستوى الأمني والعسكري مع موسكو.
وكان مستشار ملك الأردن والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق الركن مشعل الزبن قد أجرى قبل أسبوعين تقريبا زيارة إلى موسكو التقى خلالها بكبار المسؤولين الروس، ويتوقع أن تكون المحادثات التي تمت في علاقة بجنوب سوريا خصوصا.
والعاهل الأردني زار واشنطن الشهر الماضي والتقى الرئيس الأميركي لفترة قصيرة في قاعدة أندروز العسكرية الجوية.
العرب