في زاوية الغرفة انطوى على نفسه يجمع شتات روحه المشتاقة و يحدّق بنظراته التواقة لعله يلمح والده ، ينظر إلى الجدران إلى الصورة المعلقة على الحائط ليصرخ عمر ذو الرابعة عشر ربيعاً بصوت متقطع ودموع غطت ملامح وجهه “بابا وين رحت ارجاع اشتقتلك كتير”.
أيقن عمر أنه لن يرى والده مرة أخرى وسكن الحزن والوجع أعماق قلبه ،ووصل مرحلة من الشوق جعلته يشعر بفراغ كبير يكبر مع اللحظات منذ وفاة والده إثر صراع طويل مع المرض الذي أنهى حياته في ربيع عام 2016 ،” ليش رحت وتركتني بكير عليك يا بابا” ليصبح الفراق كالكابوس والوحش المسيطر على قلب عمر وكيانه فطالما اعتبره ليس الأب فقط بل الصديق والأخ الداعم والموجه له دائماً.
في غياب والد عمر غابت شمس الأمل في عيون عمر وأسدل الحزن ستائره، يتمنى رؤيته ويتخيل طيفه في كل مكان من بيته في قريته كفرومة في ريف إدلب فحياته أصبحت موحشة وتائهة بسبب فراق أبيه ،”ماضل حدا يحميني ولايدافع عني أنا كتير ضعيف بغيابك بابا” ، فالأيام مظلمة وليست بالجميلة بعد موت والد عمر وأصبح شعور اللامبالاة والبرود هو المسيطر ، ولم يكن عمر ليقوى على منع دموعه المسترسلة من أن تزرف ببطء وسط صمت قاتل مليء بنظرات الأسى والشوق.
فشعور الغربة الذي يعيشه عمر بما يحتويه من شوق وحنين ما هو إلا ألم يحمله في داخله بكل ما للمكان والزمان من ذكريات جمعته بوالده ، فالعمر بعيداً عنه تلك حتماً غربة أقسى وأعنف وقعاً في النفس والروح يقول عمر وملامح الشوق بدت على وجهه الأبيض وعينيه البنيتين “اشتقت لحضن بابا الدافي وكلماتو الحلوة” فهل الغربة وطن بعيد أم الغربة حبيب بعيد.
تأخذ الحياة عمر بصخبها وركودها وتعود به دون أن يدرك مرور الزمن فيها فالأيام بفراق والده باتت سنوات وكأنه في حلم مزعج طال دون انتباهه فالقلب يحنّ إلى لحظات شوق وسط صمت وعجز يملأ كيانه ، لتصطدم الذكريات بالواقع المؤلم والطموح باللاوعي، ويرتجف القلب في تلك اللحظات وتعجز الكلمات بل وتختنق العبرات حتى الدموع تستحي ثم تتدفق كشلال مياه من عيني عمر لتحكي ألماً وحباً لذكرى جميلة مع والده لن تغيب.
لن ينسى عمر الأيام الراحلة الهامسة بالحب والحنان لن ينسى روحاً وحكمة وتعباً متجسدة ب أبّ حنون غيبه الموت مهما مرت السنين ومهما أسرته الحياة ، فطيف والده لم يغب عنه خلال مسيرته الجامعية في كلية طب الأسنان فهو الدافع الدائم لتحقيق النجاح والثبات في هذه الدنيا والموجه الأساسي لخطواته لتحقيق الطموح.
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع