صباحٌ كانونيٌّ بارد تشعله نيران قصفٍ همجيّ لا يفرّق بشرا ولا حجر .. لم تكن تعلم زهرة “الطفلة الملاك” أنه يومٌ لن تنساه ماحييت.
زهرة ذات الأربعة أعوام ووجهٍ يشعّ براءةً يتوسطه خدان ممتلئان وثغرٍ كرزيّ باسم، هي أول فرحةٍ لعائلتها الصغيرة والكبيرة، فهي بِكر أهلها، وأول حفيدةٍ للعائلة، جدتها أمرأةٌ أربعينية، وهبها الله ابنَين بارَّين أرادت أن تفرح بهما باكراً لترى أولادهما، فزوّجت الأول بعمر ال18 وخطبت للثاني، وماهي إلا بضع سنوات حتى ضجّ البيت بأصوات أحفادها لتغمر السعادة قلبَي جديهما.
لكن الحياة لا تمشي كما نتمنى، ولأن ابنيها رفضا الخروج من البلاد، وآثرا الصمود وإكمال القتال ضد النظام المجرم وحلفائه، ما كانت لتعارضهما بقرارهما فسعادتها فيما يريحهما.
في 28 كانون الثاني من شتاء 2020، اشتدّ القصف في ريف حلب الغربي بشكلٍ جنوني، ولم يعد بالإمكان البقاء في المنزل، هرع الأبناء لإخراج العائلة إلى مكانٍ أكثر أمناً، لكن الجدّ رفض الخروج فمازال لديه أملٌ بصدّ الثوار تقدم قوات النظام وعودة الأمان للمنطقة، فأقامت العائلة عند أحد الأصدقاء في الأتارب أملاً بالعودة بعد عدة أيام إلى منزلهم.
إلا أن اشتداد القصف وتقدّم قوات النظام، دفع العائلة لاتخاذ قرار إخراج النساء والأطفال إلى الريف الشمالي، وبقاء الأبناء وأبيهم للقتال وصدّ الهجوم، فأرادت الجدة قبل الرحيل وداع زوجها المرابط في منزله وأخذ بعض الأمتعة، ذهبوا جميعاً في سيارة إلى منزلهم حزموا بعض الأمتعة وودّعوا الجد وخرجوا.
لم يعلموا أنه سيكون الوداع الأخير، وداع لا لقاء بعده..
ما أن ابتعدت السيارة عشرات الأمتار حتى هوى صاروخٌ مباشرٌ على السيارة.. ليحوّل كل من في داخلها إلى أشلاء متناثرة..
لم يخرج من السيارة أحدٌ سوى الطفلة زهرة التي كانت تحتضنها جدتها مع أشلاء أخويها..
بلمح البصر أبيدت عائلة كاملة .. لم يبقَ منها سوى تلك الطفلة وجدّها الذي لم يغادر منزله.. فجأةً تحولت تلك الطفلة المسكينة إلى يتيمة .. وأي يتم؟! يتم الأب والأم والجدة والأخوة..
بقيت الطفلة أياماً في العناية المركّزة تنتظر عناية الله، لاتدري ما الذي يخبئه لها القدر عندما تستيقظ وحيدةً مع جدها المكسور، الذي أدمى الفقد شغاف قلبه، وتركه تائها بين ممرات المشفى ينتظر أملاً يعينه على إكمال حياته التي باتت باردة لا هدف فيها ولا حياة..
هلا السعيد
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع