عندَ الظهيرة، من كانونَ الثاني للعامِ “2018” في يومٍ شتويٍّ بامتياز، أرسلتُ طفليَ الصغير لإحضارِ بعضِ الحاجياتِ من البقالةِ المجاورة، لكن سرعانَ ما عادَ ملهوفاً لا يكاد يعرفُ أن ينطق، (ماما…ماما… هناكَ طفلٌ صغير على الدرجِ يبكي ولا يوجدُ بجانبهِ أحد)
تقولُ “ليندا” (أم الطفل) لم أعطِ بالاً للموضوع، ربما كان أحد أطفالِ الجيران (ما عليكَ ماما، ربما وضعتهُ أمهُ على الباب ودخلت المنزلَ قليلاً، هيّا اذهب وأحضر الحاجيات من البقالة).
ذهبَ الصغيرُ وعادَ مجدداً (ماما الطفلُ لايزالُ على الدرج، ويبكي كثيراً، دعينا نذهب ونرى الموضوع).
– بدأتُ أشعرُ بالقلق، نزلت بسرعة لأرى الطفلة، كانت مرميةً على الدرج، ملفوفةً بمهادها، وثيابها البالية، كان وجهها ملائكياً وملامحها بريئةٌ جداً.
حملتُ الطفلةَ على صدري، خرجت بها للشارع، أسأل الجيرانَ وأصحابَ المحال التجارية: هل تعرفونَ لمن هذه الطفلة؟
هل رأيتم أحداً يحملها ويدخل للبناية؟
لكن لا جدوى، أجوبةُ أسئلتي كانت (لا نعرف، لا أعلم، لم نرها من قبل).
تابعتُ البحث، لم أكد أترك حارةً أو شارعاً من الحيِّ الغربيِّ لدركوشَ إلا وسألته عن الطفلة، لكن لا جدوى
عدتُ إلى المنزل، أحملُ الطفلةَ في قلبي قبلَ أحضاني، أضمها بحنان، كنتُ أحاكي نفسي بحرقة (كيف ستعيش تلك الطفلة بدونِ أم، كيف تركوها أهلها هنا وذهبوا!!
ماهي الأسباب؟؟؟
تابعتُ طريقي للصيدلية، قمت بشراء الحليبِ للطفلة، والحفاضات.
كلمت زوجيَ أن يأتي مسرعاً من عمله، “عندنا ضيوف”
ومن الضيوف؟
– ضيفٌ ملائكيٌ من الجنة.
أتى زوجي وتفاجأَ بالطفلة
من هذه؟ من أينَ أتت!!
سردتُ لهُ القصة، بدأ يجري اتصالاته، أخبرَ غرفَ الأخبار، والمراصد والمخفرَ والمشفى، لكن لا جدوى…
لم يتعرف أحد على الطفلة..
يقول الأب ياسر: (أسميتها “أمل” لأنها بعثت الأملَ في نفسي، وشعرت أن الله وضعها أمام منزلي لتكونَ أمانةً في عنقي، ووجودها كانَ أملاً بأمل)
ليندا: وبدأ يكبرُ الأملُ في نفسي بأنها ستكونُ طفلتي المدللة، بدأ حبها يكبرُ في قلبي، واعتدت وجودها.
– كانَ الناسُ ممن لم يرزقوا أطفالاً يأتونَ ويطلبونَ أمل لكفالتها أو تربيتها، كانوا يأتونِ من مناطقَ بعيدة ويعرضونَ الأموالَ علينا مقابلَ التكفل بأمل.
لكن كنا نرفضُ بشراسة، “هذه طفلتنا ولن نتخلى عنها”
كنا نشعرُ أن أمل أمانة في أعناقنا، بعثها اللهُ لنحافظَ عليها، وكنا نخاف أن يأخذها أحد ويؤذيها أو يعاملها بقسوة، فبقينا متمسكينَ في ذلك الأمل، رافضين التخلي عنها نهائياً.
“كنتُ آخذُ أملَ لترضعَ الحليبَ عند زوجةِ أخي، وعندَ أخت زوجي، لتكونَ أمل جزءً من عائلتنا ووجودها حلالاً لنا
ويكونُ زوجي خالاً لها.
– كنت عندما تمرضُ أمل أسهر عليها طوالَ الليل، أبكي لبكائها، أضمها بحنان، وأخافُ عليها من كل نائبة، كانت عواطفي ومشاعري تجاهها لا تختلفُ عن عاطفتي لأولادي، كانَ أولادي أبناءُ بطني ولكن أمل ابنة قلبي.
أمل بدأت تكبرُ وتنمو معنا، دخلت أمل عامها الثالث وهيَ معنا، أصبحت ابنتي الخامسة، وطفلتي المدللة، ومن المستحيلات أن أتنازلَ عنها أو أبعدها عني لحظة، ولا استطيع أن أتخيلَ أنها تبتعد عني، لأن الضنا غالي، وصعب التخلي عنه.
قصة خبرية – ريم مصطفى