واصلت الدبلوماسية السعودية انتهاج الضغط على إيران مجبرة الأخيرة على التراجع وتهدئة النبرة، من خلال تصريح للشخصية الأولى في هرم النظام الإيراني المرشد الأعلى علي السيستاني، الذي اعترف بشكل صريح بخطأ الاعتداء على سفارة المملكة وقنصليتها على إثر إعدام رجل الديني الشيعي السعودي نمر النمر.
ورأى مراقبون في كلام خامنئي محاولة لترطيب الأجواء مع السعودية، تلقفها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي قال أمس إنّ المواجهة بين إيران والمملكة “ليست في مصلحة أحد”.
ويقول محلّلون اقتصاديون إنّه يتوجّب على إيران كي تستفيد بشكل فعلي من رفع العقوبات الاقتصادية عنها، أن تفتح قنوات حوار مع السعودية لإيجاد حل لمعضلة تهاوي أسعار النفط، ودون ذلك لن يكون لعودتها إلى سوق البترول العالمية معنى يذكر.
وجاء اعتراف خامنئي، غداة زيارة قام بها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لطهران في إطار جولة كانت قادته أيضا إلى السعودية، ووضعتها مصادر باكستانية في إطار جهود وساطة تبذلها إسلام آباد لتخفيف التوتر بين إيران والسعودية.
ووصف خامنئي في تصريحات نقلتها أمس وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية الاعتداء على سفارة السعودية وقنصليتها في طهران وقم وقبل ذلك اقتحام سفارة بريطانيا بـ”العمل السيء للغاية والمضر بمصلحة البلاد والمصالح الإسلامية”.
ورغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، سبق أن أدان الاعتداء على المقرّين الدبلوماسيين السعوديين، فإن إدانة المرشد تكتسي أهمية خاصة باعتباره يمثل أعلى سلطة في البلاد، ويعتبر الحاكم الفعلي الذي تمرّ عبره حتما القرارات الهامة وذات البعد الاستراتيجي رغم وجود المؤسسات المدنية من برلمان ورئاسة جمهورية ودبلوماسية كواجهات لما يقرّره المرشد.
ومن هذه الزاوية يمكن اعتبار كلام خامنئي إيحاء بفتح الطريق أمام الجهد الباكستاني للوساطة بين الرياض وطهران التي تبدو معنية أكثر من أي وقت مضى بالتهدئة مع مختلف الخصوم الإقليميين والدوليين، للاستفادة من فرصة رفع العقوبات الاقتصادية عنها بعد إبرامها اتفاقا مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لدى وصوله العاصمة الإيرانية، إن طهران وافقت على لقاء المسؤولين السعوديين في باكستان، مشيرا إلى أنه طلب من الإيرانيين تعيين ممثل لهم لإجراء محادثات مع الجانب السعودي، وأنّه سيقوم بطرح فكرة اللقاء على المسؤولين السعوديين أيضا.
وذكر أن قيادتي البلدين أبلغتاه بعدم وجود عداء تجاه بعضهما البعض، مستدركا بأنّ للسعوديين بعض التحفظات تجاه إيران.
ولا تريد السعودية منح غريمتها إيران “صكّا على بياض” من خلال قبول الحوار معها دون شروط تتمحور أساسا حول إثبات حسن نواياها بشكل عملي، من خلال تغيير سياساتها في المنطقة والقائمة على التدخّل في الشؤون الداخلية لدولها وتهديد استقرارها من خلال تقديم الدعم لجماعات مسلّحة مثل جماعة أنصارالله في اليمن وحزب الله في لبنان، والعديد من الفصائل الشيعية المسلّحة في العراق.
وترى السعودية أنّ بيدها العديد من أوراق القوّة التي تتيح لها مواصلة مواجهة سياسات إيران، رغم ما تحقّق من تطور في علاقات الأخيرة بالمجتمع الدولي. ومن بين تلك الأوراق، محاصرتها في الدول العربية والإسلامية، ومواصلة العمل على استمالة القوى الكبرى عبر مصالح اقتصادية، وإقناعها بأن إيران ما تزال قوّة داعمة للإرهاب.
وزار الرئيس الصيني المملكة العربية السعودية الثلاثاء، وصدر إثر الزيارة بيان مشترك أكدت فيه بيكين دعمها للحكومة الشرعية في اليمن والمدعومة من قبل السعودية في المواجهة التي تخوضها ضدّ الانقلابيين الحوثيين المدعومين من قبل إيران، ما يعدّ مكسبا دبلوماسيا جديدا للسعودية في مواجهتها مع إيران.
ويعني تمتين السعودية علاقاتها مع قوى عالمية صاعدة أنها تمتلك أوراقا بديلة عن الانكفاء الأميركي.
وحذّر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من أنّ التراجع الأميركي -إذا حدث- فإنه سيؤدي إلى تدفق القوى الساعية إلى زعزعة الاستقرار بدعم من إيران.
كما أكّد في ذات الوقت أن رفع العقوبات عن إيران بعد اتفاقها النووي مع القوى العالمية سيكون تطورا مضرا إذا استخدمت طهران الدخل الإضافي لتمويل أنشطة شريرة.
وتأتي تصريحات الجبير، في إطار مواصلة السعودية ضغوطها على إيران، من خلال حملة تهدف لإثبات دورها السلبي في تهديد الأمن الإقليمي والدولي.
وفي بيان لمصدر مسؤول بالخارجية السعودية، اتهمت الرياض طهران بـ”إثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات” في المنطقة، معتبرة أنها “الدولة الأولى الراعية والداعمة للإرهاب في العالم”.
وورد في البيان أنه “منذ قيام الثورة الإيرانية، وسجلّ إيران حافل بنشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة، بهدف زعزعة أمنها واستقرارها”.
وتوترت العلاقات بين السعودية وإيران بشكل كبير، بعد إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، وما أعقب ذلك من ردود فعل إيرانية وصلت حدّ إضرام النار في مقر سفارة المملكة وقنصليتها بطهران وقم.
وأظهرت الرياض على إثر تلك الأحداث قوّة تأثير دبلوماسيتها، من خلال موجة التعاطف الكبيرة معها عبر دول المنطقة، والتي وصلت حدّ قطع دول أو تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
وكانت السعودية قد جسدت قبل ذلك عزمها على مواجهة محاولات التمدد الإيراني في المنطقة، من خلال إنشائها بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة وبمشاركة عدّة دول أخرى، تحالفا عسكريا نجح في وقف زحف جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا على مناطق اليمن قبل أن ينجح في استعادة أغلب المناطق التي احتلتها.
صحيفة العرب