– تحاول إيران الهروب إلى الأمام في القضية السورية من خلال إبداء مرونة غير مسبوقة بخصوص استعدادها لتقبل فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم. وتأتي هذه المرونة استباقا لما قد تقرره موسكو بشأن رحيل الأسد عن الحكم خلال المرحلة الانتقالية، ولذلك لا تريد طهران أن تكون في وضع المنصاع للقرارات الروسية المقبلة.
والتنازل الإيراني، ولو كان اضطراريا، ناتج عن أن الوجود العسكري الروسي في سوريا قد فرض قواعد جديدة أخرجت طهران من الهيمنة المطلقة على النظام.
وليس مستبعدا أن تكون المرونة الإيرانية عبارة عن رسالة شكر إلى الأميركان الذين أصروا على أن تكون طهران ممثلة في اجتماع فيينا.
ولمحت إيران الجمعة إلى أنها تفضل فترة انتقالية في سوريا مدتها ستة أشهر تعقبها انتخابات لتحديد مصير الأسد.
والتقت 17 دولة في فيينا أمس لعقد محادثات غير مسبوقة سعيا للتوصل إلى حل سياسي للنزاع.
وجلس وزير الخارجية الأميركي جون كيري على رأس طاولة الاجتماع الأول الذي يشارك فيه كبار اللاعبين الرئيسيين في الملف السوري بينما اتخذ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مكانا أبعد ما يمكن عن مقعد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في قاعة الاجتماعات في فندق امبريال.
وعقب انتهاء الاجتماع، ذكر وزير الخارجية الالماني فرانك فلتر شتاينماير أن الوزراء المشاركين يسعون إلى التوصل لوقف كامل أو جزئي لإطلاق النار في الأسابيع المقبلة، بينما ذكر بيان مشترك أنه لا تزال هناك خلافات جوهرية، وأن المشاركين اتفقوا على الإبقاء على سوريا موحدة.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كان صريحا حين قال إن المحادثات فشلت في التوصل لاتفاق على مصير الأسد، وإن مناقشة وقف إطلاق النار في سوريا مستمرة لكن قتال الجماعات الإرهابية سيستمر.
وشدد لافروف على أن “الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد”، وهو ما يعني العودة إلى نقطة الصفر خاصة في ظل وعود سابقة من بلاده بألا يقف مصير الأسد عائقا أمام حل يؤدي إلى استقرار سوريا.
وقال وزير الخارجية الأميركي، من جهته، إن الدول المشاركة اتفقت على تكليف الامم المتحدة برعاية وقف إطلاق نار في سوريا. لكنه اعترف بأن الخلافات مع روسيا وإيران حول مصير الرئيس السوري مازالت قائمة.
لكن اللافت أن روسيا كانت حريصة على التحرك في اتجاه كل من السعودية والإمارات اللتين قدمتا قوائم بالمعارضة المعتدلة إلى واشنطن وموسكو لتكون محور الحوار حول مستقبل سوريا، ما يعني أن الدور العربي سيكون مؤثرا في مختلف مراحل البحث عن الحل في سوريا، وأن هذا ناجم عن التقارب الأخير مع موسكو التي تخطط لتقليص التأثير الإيراني في الملعب السوري.
من جهة ثانية، تولد انطباع إيجابي لدى ممثلي الحكومات العربية والغربية بمن فيهم ممثل روسيا عن الدور العماني وخصوصا أن سلطنة عمان حملت رسائل واضحة حول دورها كوسيط، ومن المتوقع أن تحتضن جانبا من المفاوضات بين فرقاء الأزمة، خاصة ما يتعلق ببحث المسائل التنفيذية الخاصة بالمرحلة الانتقالية.
ورافق لقاء فيينا تصعيد عسكري روسي على طول الجبهة الجنوبية درعا والجولان في محاولة روسية للتفاهم مع الإسرائيليين والضغط على المعارضة التي أعلنت رفضها لأي حل لا يقدم لها ضمانات جدية حول مصير الأسد.
ويقول مراقبون إن الأسد يحاول استغلال الدعم العسكري الواسع الذي يتلقاه من روسيا وإيران إلى جانب إطلاق محادثات دولية حول مصيره لكسب المزيد من الوقت ما قد يسمح له بالبقاء لفترة أطول.
وبعد زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى دمشق والتقائه بالأسد كثرت التكهنات بأن سلطنة عمان من الممكن أن توفر للأسد لجوءا سياسيا في حال التوصل إلى توافق دولي على خروجه.
وقالت وكالة ستراتفور الخاصة لشؤون الاستخبارات نقلا عن مصادر دبلوماسية إن الأسد طلب من بن علوي أن تمكنه عمان من التواصل المباشر مع البيت الأبيض عبر خطوط خلفية.
لكن يظل من الصعب التوصل إلى صيغة تفاهم بين البيت الأبيض والرئيس السوري في هذه المرحلة المبكرة من المفاوضات، وبدلا من ذلك من الممكن أن تفضي الوساطة العمانية إلى بعض التفاهمات الأمنية فقط بين الجانبين.
ويحاول الأسد بالإضافة إلى ذلك اكتشاف ما إذا كانت هناك أي وسيلة تمكنه من التواصل المباشر مع الأميركيين في فيينا، ومن ثم الحصول على شرعية في الغرب.
ولن يكون التواصل مع الأميركيين، إن حدث، كافيا لتغيير إصرارهم على رحيله، لكن قد يمنح الأسد الثقة والمساحة التي تسمح له بالمناورة.
صحيفة العرب