المكان بلدة ثائرة في شمالي سوريا، الزمان صباح يوم صاف من أيام الربيع الذي لا يعكر صفوه إلا صوت أزيز مروحيات و طائرات نظام الأسد التي تشق طريقها عبر السماء محملة ببراميل الحقد و الموت الذي يطارد السوريين في كل مكان.
“سوسن” هي أم لأربعة أولاد من سكان البلدة، تستيقظ كل صباح لتجهز أولادها للذهاب إلى مدرستهم, ثم تنغمس في واجباتها المنزلية, و بينما هي منشغلة في شأن بيتها إذا بصوت أزيز قادم من الجنوب يشق صمت السماء الصافية, توجست الأم خيفة و قالت في نفسها: ” يا إلهي ..إنه صوت مروحية قادمة من مطار حماة, و هي بلا شك محملة ببراميل الموت”.
يعتبر مطار حماة العسكري واحداً من أقوى القواعد العسكرية لنظام الأسد في وسط سوريا, حيث تنطلق منه مروحيات النظام المثقلة بالبراميل المتفجرة التي تضرب المناطق المحررة ( الخارجة عن سيطرته), حيث يعتبر أهالي منطقة ريف إدلب و مناطق ريف حماة الشمالي المطار كابوساً يجثم على صدورهم .
و ما إن تكمل حوارها مع نفسها حتى تتيقن أن المروحية فوق بلدتها, و هي تستمع إلى صوتها و تنتظر صوت المراصد (المرصد هو شخص يتكلم عبر قبضة لاسلكية لإنذار المدنيين و إعلامهم بتحركات المروحيات و الطائرات الحربية), و إذا بالمرصد يقول:” المروحي نفذ, تحصن يا بطل”, الأم لا تدري ما تفعل بنفسها و برضيعتها التي بين يديها, و كيف ستطمئن على حال أولادها في المدرسة, صوت ضجيج ضخم يصعق الآذان يأتي من الأعلى, البرميل ينفجر, الصراخ يملأ المكان ,”سوسن” يصفر وجهها , تسرع مع طفلتها إلى المغارة, لكن قلبها يخفق من شدة الخوف.
الدخان يتصاعد, تصيح الأم ” يا الله يا الله لطفك يا رب” و هي لا تزال تلهج بهذه الكلمات و تصيح ” هل من أحد يأتيني بخبر عن أولادي ..ماذا حلّ بهم ؟ أين سقط البرميل؟”, انفجر البرميل و دمر منزلاً فوق رؤوس ساكنيه نتج عنه استشهاد رجل و طفلته و نجاة زوجته لاحتمائها بمغارة جيرانها.
ينتهج النظام السوري منذ أكثر من ثلاثة أعوام سياسة التدمير الممنهج و استهداف المدنيين باستخدامه للبراميل المتفجرة , منتهكاً بذلك كل الأعراف و القوانين الدولية بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2139 بتاريخ 22 شباط / فبراير من العام الماضي ,حيث سقط نتيجة لاستخدام هذه البراميل ما يزيد عن اثني عشر ألفاً من الضحايا منذ عام 2012 جلّهم من المدنيين و ذلك وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
الأم “سوسن” تخرج من المغارة مسرعة و تبحث عمن يأتيها بخبر عن أولادها, و لكن ما إن تسمع صوت أولادها الذين أتوا من مدرستهم بسبب القصف حتى يسكن قلبها و يتوقف عن الخفقان و تعرف أن أولادها و فلذة أكبادها ما زالوا بخير.
” إلى متى…؟!” سؤال تردده الأم “سوسن” كل يوم و تتساءل : ” متى سيتم إيقاف حمام الدم النازف في سوريا مع اقتراب اكتمال الثورة السورية لعامها الرابع”.
المركز الصحفي السوري: عاصم الصالح