بقلم: محمود الزعبي
في خضم التحولات الجديدة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط عموماً والمنطقة العربية بشكل خاص ؛تتعالى الأصوات في الإدارات والمؤسسات الأمريكية والغربية المهتمة في شؤون الشرق الأوسط نحو الإسلام المعتدل وتقديم الدعم بشتى الإمكانات في سبيل إنتشاره !.
ـ ماهي الغاية من نشر هذا المصطلح الجديد؟
ـ ماهي النتائج على الأمة الإسلامية في حال انتشاره ؟
الإسلام رسالة سماوية مقدسة يقوم على عقيدة واضحة مصدرها إلهي خيرية بطبيعتها تقوم على العمل المقرون بفعل الخير ، لامكان للتحريف فيها ، وهذه العقيدة لها منظومة قيمية متكاملة أساسها العدل .
بعد أحداث 11سبتمبر تغيرت السياسة الأمريكية في العالم وانتقلت من سياستها الخارجية القائمة على الإحتواء إلى اتباع سياسة التصعيد ومحاربة الدول المارقة على حد تعبيرها، وربط الإسلام بمفهوم الإرهاب بحيث يصبح الإسلام والإرهاب شيئين متلازمين ومن الواجب محاربتهما وكانت البداية في حربها بعيد أحداث سبتمبر 2001م في أفغانستان وبعدها الإنتقال لحرب العراق 2003م .وإعلان الحرب واحتلال العراق بدون تفويض أممي بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق وبحجة دعم العراق للإرهاب وحتى تخلص المنطقة من الحكم المستبد فيها وتنشر الديمقراطية في المنطقة العربية.
هذه الأسباب الظاهرة لكن التدخل في باطنه كان لإعادة هيكلة المنطقة العربية وتفتيتها وصناعة الشرق الأوسط الجديد الذي يتماشى مع المصالح الأمريكية البعيدة و القريبة !.
وحتى يكتب لمشروعها النجاح بإمتياز عليها خلخلة الروابط بين أبناء الأمة الإسلامية؛ فما كان منها إلا أن عادت لإذكاء النار وزيادة لهيبها لفتنة بدأت منذ مايقارب1400عام .< السنة ـ الشيعة > وتعزيز الشرخ وزيادة الدماء حتى لايكون للصلح طريق في المنظورالقريب ولا حتى البعيد.
أما بالنسبة لأبناء الطائفة السنية منهم ضعاف النفوس تمت استمالتهم بالمناصب والمال ومنهم من سعت جاهدةً لسحقهم ، أما من سعت لإبادتهم لم يكن أمامهم إلا الهروب خارج ساحة الصراع أو الدفاع عن النفس .
بهذه الحالة التي صار لها سنة العراق وما حل بهم من تهجيرهم وقتلهم وملاحقتهم والعنف بشتى أنواعه الذي وقع عليهم ماكان لهم إلا أن يدافعوا عن أنفسهم ويرفعوا البلاء عنهم ورغم وحدة المصير انقسم الصف إلى صفين أيضاً جناحٌ متطرف وهو ماكان المطلوب بالنسبة للغرب لتشويه صورة الإسلام وجناح يحمل هم الدفاع عن الوطن وتحريره ممن دنسه .
هذا الواقع لم يعجب الإدارة الأمريكية وأخواتها وأعلنت الحرب عليهم وملاحقتهم بحجة تطرفهم وإرهابهم وشملت جميع الأطراف المعارضة لها ولسياستها تحت مسمى الإرهاب والتطرف لتكسب شرعية دولية في قتالها ولكن حربها ضد الأطراف المعارضة لها المتطرفة وغير المتطرفة لم تودي بنتيجة إلا زيادة غرقها في مستنقع يصعب الخروج منه .
فما كان من الإدارة الأمريكية إلا أن تؤدلج طرفاً ثالثاً يحارب عنها بالوكالة , طرفاً عربياً مسلماً لكن إسلامه على الطريقة الأمريكية الجديدة وهو “الإسلام المعتدل ” الذي يتفق مع وجهة النظر الأمريكية! إن لم تكون معنا فأنت ضدنا ، وقد سعوا لتعديل المناهج الدراسية وكتب الأحاديث النبوية والسيرة بحجة أن الخلل في العقيدة التي يستوجب تعديلها !
وصناعة إسلام جديد يتماشى مع الفكر الغربي وإضعاف وتشويه صورة الإسلام المحمدي على أنه دين القتل وبث الرعب ،وأضعاف الروابط فيما بين أبناء الطائفة الواحدة وإبعادهم عن دينهم ؛ وصناعة حرب جديدة فيما بينهم على غرار صراعهم مع الطوائف الأخرى حتى لاتقوم لهم قائمة وإخماد نور الإسلام بتشويه صورته عالمياً وإثارة الكره والبغضاء بين أبنائه .
وفي حال انتشار مايسمى بالإسلام المعتدل سنكون قد عدنا إلى مايقارب 1400عام إلى الخلف إلى فتنة جديدة لكن هذه المرة بإنقسام جديد وبثوب مختلف عن الفتنة الأولى لكنه في النهاية يصب في مصلحة أعداء الإسلام لأنه لايزيد إلا في الإنقسامات التي ترفع وتيرة إراقة الدماء وزيادة التفتت والإنقسام على الذات وصرف النظرعن قضايا جوهرية خيرية تفيد الأمة وترفع من شأنها وعدم الإلتفات أوحتى التفكير بحرماتهم المغتصبة .
صراحةً لم يستخدم في النصوص الإسلامية الشرعية والفقهية مصطلح الإعتدال هناك فرق شاسع بين العقيدة الوسطية والإعتدال ؛ الإسلام دين الوسطية نعم دين التسامح نعم لأنه في أساس منظومته يقوم على العدل أي بمعنى الوسطية بين شيئين واختيار أصلحهما وأفضلهما هذه هي الوسطية، بمعنى إن خيرت مثلاً بين الخير والشر العدل والظلم ، ماذا ستختار ؟ هل هناك اعتدال بينهما حتى أقف متوازن بين هكذا خيارين ، لذلك كانت الوسطية بإختيار الأخير وليس الإعتدال بين الظالم والمظلوم .
مصطلح الإسلام المعتدل الذي دأبت الإدارة الغربية على نشره في العالم الإسلامي وتجييشه وتعزيزه بالعدة والعتاد للقتال بالنيابة عنها هو في الحقيقة شعار فارغ من المضمون لأنه يستقل اللون الرمادي ويقف بين الغلو والتطرف من جهة وبين الإسلام الحق من جهة أخرى بين الإحتلال والمحتل بين الصح وبين الخطأ ، لايملك عقيدةً صحيحة يسعى لإعلاء رايتها لذلك نشهد له بهذا الإنهيارالسريع ورمي السلاح أو تسليمه حتى قبل وقوع الإشتباكات أو حتى رفضهم في بعض الأحيان دخول المعارك رغم إغراقهم بالمال والسلاح..