كتب نظير مجلي في صحيفة الشرق الأوسط و نقله مركز الصحافة الاجتماعية بتصرف: على الرغم من الإجماع الإسرائيلي على “ضرورة تنفيذ عملية اجتياح بري لقطاع غزة”، أكان ذلك في القيادة السياسية أم العسكرية أم حتى على المستوى الشعبي، فإن هناك خلافات واضحة حول الثمن الذي ستكلفه والنتائج التي ستسفر عنها.
وبعد أن بات واضحًا أن الإدارة الأمريكية تحبّذ تأجيل هذا الاجتياح إلى حين تنتهي من حل قضية الأسرى، وأن الحكومات الأوروبية بغالبيتها تفضل التراجع عن الاجتياح البري، يخوض الإسرائيليون في نقاشات واسعة حول هذا الاجتياح ونتائجه المرجوة مقابل النتائج المتوقعة، المنشود والموجود.
وتؤيد الغالبية الانسجام (وهناك من يسميه الانصياع) مع الموقف الأميركي، الذي يمنع حتى الآن الاجتياح البري. وبحسب مصادر متقاطعة في واشنطن وتل أبيب، فإن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة موافقتها على الطلب وتجميد الهجوم البري إلى موعد آخر، و “لكن من دون التنازل عن هدف تصفية (حماس)”.
ويعود هذا القرار لأسباب عدة:
أولًا، هل إسرائيل جاهزة فعلًا لعملية كهذه، وهل ستكون هذه مغامرة أم مقامرة، وهل إسرائيل قادرة على تحمل ثمن هذا الاجتياح في حال ظهور مقاومة جدية من «حماس» وبقية الفصائل؟ ويقال أن الجنرال الذي أرسله الرئيس جو بايدن ومعه فريق من أصحاب التجربة في القتال في الشرق الأوسط، يجلسون في مقرّ القيادة الحربية في تل أبيب ويدرسون الخطط العسكرية ويفحصون التحضيرات التي قامت بها «حماس»، ويوجهون أسئلة صعبة. فهم يريدون لهذا الهجوم أن ينجح، فيما لو جرى إقراره.
ثانيًا، يجب أن تضمن إسرائيل ألا تؤدي العملية البرية إلى التخريب على الجهود الكبيرة التي تبذلها الولايات المتحدة ومصر وقطر، ودول عربية وأجنبية عدة أخرى، للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بأقل خسارة ممكنة في إسرائيل. وهذا سبب يراه غالبية الإسرائيليين «وجيهًا»، ويتبناه غالبية أهالي الأسرى الإسرائيليين ومعهم غالبية الصحف، التي نشرت مقالات افتتاحية تدعو فيه إلى الكف عن الموقف المتبجح الذي يرفض أي صفقة كهذه، وعدم الاكتراث لاحتفالات «حماس» المتوقعة عندما تدفع إسرائيل الثمن وتطلق سراح ألوف الأسرى.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، دان حالوتس، إنه مستعد لتأييد صفقة تبادل يعود فيها الأسرى الإسرائيليون إلى الحرية مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. وأضاف: «لقد وافق نتنياهو على إطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًّا مقابل جلعاد شاليط، فعلى هذا المعدل سيكون علينا إطلاق سراح 200 ألف فلسطيني. فما المشكلة أن نطلق سراح 9 آلاف أسير حاليًّا في السجون الإسرائيلية؟».
ثالثًا التحذير من توسع الحرب إلى الشمال، مع «حزب الله» وربما مع الميليشيات الإيرانية في سوريا واليمن والعراق، وربما إيران نفسها. فقد سبق وسمعت مثل هذه التهديدات وقد تكون هذه المرة جادة، والقوات الأميركية تريد أن تكون جاهزة لحرب كهذه وربما تشارك فيها مباشرة. وهي اليوم غير جاهزة بعد.
يقول د. تسفي برئيل، محرر الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»: إن المطلب الجماهيري بإطلاق سراح جميع المخطوفين الآن «وبأي ثمن» هو مطلب مستحق، شرط أن يترافق مع الدعوة إلى «تدمير (حماس) مرة وإلى الأبد»، فإنه يكون طموحًا مستحقًّا، لكنه يتسبب في تصادم مخيب للآمال للإرادة. فما الذي نعرفه عن ثمن تحرير جميع المخطوفين؟ «حماس» حتى الآن لم تعرض كل طلباتها، ويمكن فقط الافتراض بأنها تريد في المقابل، «فقط»، إطلاق سراح جميع سجنائها الأمنيين والفصائل الأخرى، بمن فيهم الذين اعتقلوا في المعركة الأخيرة. وربما ستطالب أيضًا بوقف الهجوم البري والموافقة على وقف طويل لإطلاق النار، وضخ الأموال إلى غزة من أجل إعادة إعمارها من الدمار القديم والجديد والحصول على ضمانات دولية لتطبيق الاتفاقات؟ «لأن (بأي ثمن) تعني أيضًا (التنازل عن المطالبة بتدمير «حماس» ومحوها من فوق وجه الأرض)».
يضيف برئيل، أن تدمير «حماس» يعني عشرات آلاف الجنود الذين سيدخلون إلى القطاع، ودبابات تشق الطريق بسرعة في الأزقة الضيقة، يرافقها مقاتلون يقومون بتطهير البيوت والأقبية واحداً تلو الآخر، وفي كل دقيقة يتم تغيير مخازن السلاح التي تم تفريغها على البشر، بعضهم مخربون وآخرون مشبوهون والكثير منهم «ليست لهم صلة»، بما في ذلك الأطفال. وإنه سيمر أسبوع وربما شهر وربما أكثر ولن يكون هناك أي ضغط؛ لأن الإذن أُعطي لنا. كم من الجنود سيقتلون ويصابون؟ كم منهم سيبقون معاقين؟ كم من العائلات الثكلى ستنضم إلى القائمة البائسة التي حفرت بالدم في 7 أكتوبر (تشرين الأول)؟ وماذا بشأن المخطوفين، كم منهم سيبقى على قيد الحياة أثناء الهجوم؟.
ورأى محرر الشؤون العربية، أنه لا يوجد لإسرائيل أي خطة واقعية، ليس فقط لليوم التالي، بل حتى للسنوات المقبلة، إلا إذا كانت تستعد لسيناريو حرب لبنان الأولى التي استمرت 18 سنة بعد الانتصار على منظمة التحرير الفلسطينية، وتدمير بنيتها التحتية. لأنه حتى لو تم احتلال غزة من جديد وتم الوفاء بالوعد واستكمال الانتقام، و«حماس» ربما ستختفي من غزة، إلا أنها ستبقى مع قيادات وزعماء وبنى تحتية وسلاح كثير وقدرات، إلى بجانب إسرائيل، كما في لبنان وسوريا.