نحن العرب، على الرغم مما كنّا عليه من تنافر وتناحر قبل الإسلام ورحمته، إلا أنّ نصرة المظلوم كانت شيمتنا، وبها نفخر، وإعانة العاجز براءةُ اختراعٍ أعطاها لنا التاريخ، وإطعام الجائع عادتنا التي كانت تتوارثها أجيالنا كابراً عن كابر، والكرم خصلتنا المعهودة، وغيرتنا على الأعراض أشعلت حروباً، وشجاعتنا كانت تقودنا للحتوف وقاربت التهوّر، وربما وصلته، وإباؤنا قادنا إلى فعل كل كريم، واجتناب كل قبيح ومذمّة.
نعم، هذه صفاتنا، وصفات أجدادنا، بها شهد كلّ شاهد، والتاريخ كتبها، والأعداء بها اعترفوا “والحق ما شهدت به الأعداء”، فأين نحن من صفاتهم؟ بل أين نحن من شجاعتهم، وحلب تباد؟.
اخترنا عنها الجبن والخلود إلى الراحة الآنية، اخترنا عنها الذل والهوان، اخترنا عنها النوم المنغص بأصوات أسلحة تصلنا في القريب العاجل، اخترنا عنها الانشغال في الأجهزة الذكية التي أعدت لتخديرنا حتى يتم إجراء العملية المخطّط لها من طرف الأعداء.
أين نحن من كرمهم، وحلب تجوع؟
جعلنا مكانه إسرافاً في النفقات، وتغاضياً عن جوع الإخوة، وتشاغلاً بالبطون عن نحول الأطفال والبدانة تجتاحنا.
جاء الإسلام، ونصوصه تضمنت كل الخصال الحميدة ودعت إليها، وترجمها النبي وصحابته ترجمة فورية، وجعلوها واقعاً معاشاً، حيث دعا إلى الكرم، فبذل عثمان بن عفان، حتى قال الرسول صلي الله عليه وسلم “ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم”، وبذل عبد الرحمن بن عوف سبعمائة بعير بأقتابها وأحلاسها، وأبو بكر ماله كله، وعمر نصف ماله، والأنصار، قال عنهم ربهم: “ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة”، أما رجال أعمالنا فأنستهم الملذات هموم أمتهم.
وحرّض الإسلام على “الشجاعة والنفير”، فحارب الصبي والشاب والشيخ الهرم، وقاتلت المرأة، وضحت بأبنائها واحتسبتهم عند ربها، أما نحن فاستكنا وجبنا، وبالضعف شعرنا.
ودعا إلى حفظ الأعراض، فكان النبي أشد المسلمين غيرة، واشتعلت حرب بني قينقاع، وتم جلاؤهم، بسبب انتهاك عرض امرأة واحدة، فيما نحن نسكت أمام انتهاك مدينة بأكملها؟.
هذه صفات سلفنا، وهذي تعاليم ديننا، فأين نحن من الكرم على حلب المحاصرة؟.
العربي الجديد – محمد أفلح