لم تكن “أية” الفتاة البالغة من العمر ستة سنوات بمنأى عن انخراط عائلتها بالحراك السلمي للثورة، فهي التي دائما ما كانت تطالب والدتها بإيجاد عمل لها كباقي افراد العائلة ضمن حراك الثورة، ولم تفلح كل محاولات العائلة بإبعاد طفولة “أية” عن معترك الثورة، ولم تقتنع “أية” بأداء دور صغير ضمن المظاهرات السليمة التي كانت تخرج بالحي كترديد شعارات الثورة التي كانت تصدح بها حنجرة أخاها الكبير منشد الثورة بالحي.
“خديني معك والله فيني ساعدك”
تقول شقيقة (آية) الاكبر وهي مسعفة تعمل كناشطة في المجال الطبي.” لم ندرك للحظة أن “آية” تملك من الجرأة والشجاعة ما يعجز الكثير منا عن امتلاكه، لم أنسَ المرة الاولى التي تجاوز دور (آية) ترديد الهتافات في المظاهرات. يومها رفضت (آية) الوقوف على شباك المنزل ومشاركة المتظاهرين هتافاتهم بل كانت تحاول مساعدتي بتوضيب المعدات الطبية بانتظار ما تحمله الدقائق القادمة حال وصول الامن والشبيحة، وهي مرددة جملة “خديني معك والله فيني ساعدك”. تلاشت أصوات المتظاهرين بين الصراخ والاستغاثة ولم يتبقَّ سوى أصوات عناصر الأمن وشتائمهم ممتزجة بأزيز الرصاص. ادركت وقتها أن هنالك جرحى لم يستطيعوا الوصول إلى منزلي لانتشار الامن والشبيحة في الحي، رن هاتفي ليخبرني أحدهم أن جريح بحالة حرجة موجود بأحد منازل الحي المجاور ويتوجب علي الوصل اليه بأسرع وقت، لحظات كانت تمر وكأنها سنين وانا محتجزة داخل منزلي لا يمكننني الخروج.. خشيت تفتيشي وفضح أمري ومن ثم اعتقالي، رنين الهاتف لأكثر من مرة زاد توتري وشل تفكيري.. وقتها اتاني صوت “أية” “ليش خايفة؟ طيب نحنا مو ع طول منقول ليش خايفين الله معنا.. انا رايحة .. انتي ضلي هون لا تساعدي حدا حتى لو كان حدا من اخواتك.. ماشي .. خليكي هون ولا تساعدي حدا”
الحقيبة ” الدب” استطاعت بمجهود “أية” ادخال عشرات وربما المئات من ابر ” الأوكمانتين والروس والكزاز وغيرها من المستلزمات الطبية” إلى منطقة “المزة بساتين” رغم الحصار الخانق التي كان قد فرضه عناصر النظام وشبيحته..
“أمي كتير تعبانة”!
(آية) الصغيرة، تعيش الآن مع عائلتها… ومنذ سنتين في بلدة صغيرة على سفوح جبال انطاكيا، تتذكر حقيبتها “الدب” ووجوه جرحى ساهمت بإنقاذهم، وتحلم بعودة الى ذاك المنزل الذي لم ترَه بعد أن تهدم دافنا تحت ركامه ذكريات وجني عمر العائلة.. (آية) التي ساعدت الكثيرين تحاول مساعدة امها التي كسر الدهر ظهرها وغير ملامح وجهها وجسدها..
تقول (آية) التي بلغت منذ فترة الثامنة من العمر: ” أمي كتير تعبانة.. شوف اديها كيف عم يرجفوا وكمان رجليها بيضلوا يوجعوها.. كل الليل ما بتنام من الوجع.. دائما بقلها لاعاد تشتغلي باراضي الناس ولا بالبيت انا واخواتي بنشتغل.. بس هي ما بترد علينا وبتضل تروح عالشغل وبتضل تتوجع بالليل.. وبتضل تقلي انتي بس ضلي شاطرة بالمدرسة وانا منيحة… صحي انا بحب المدرسة ومعلمتي ورفقاتي بس بحب امي اكتر.. انا ما بحب المدرسة بس لانو المعلمة بتعطيني كل يوم ليرة تركية قال لاني شاطر والاولى ع صفي.
انا بحب المدرسة لاني بدي صير دكتورة وعالج جرحى المظاهرات.. انت مفكر المظاهرات خلصت؟.. لا المظاهرات ما بتخلص.. بتعرف ليه ما بتخلص؟.. ما بتتذكر اديش كنا نقول “عالجنة رايحين شهداء بالملايين” اي لسا ما صار ملايين.. الملايين كتار كتير.. الثوار كان يقولو هيك والثوار ما بيكذبوا. بعدين اذا خلصت المظاهرات بيزعلو منا خوالي.. خالو سامر استشهد بحلب.. وخالو مجدي وخالو بسام استشهدو بالسجن”..
أورينت نت