قبل نحو عام ظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما في شريط فيديو وهو يعابث المرآة فيؤدي حركات غريبة في وجهه ويتحدث إلى نفسه ويلتقط صور سيلفي بشكل هزلي ليتبين لاحقا أن ذلك الظهور غير المألوف لرئيس أميركي كان بهدف دعم برنامج للرعاية الصحية.
اليوم لم يقف أوباما أمام المرآة لكنه تحدث في مقابلة بدا وكأنه يعيدذاك الوقوف أمام المرآة عابثاً حيناً وصادقا حيناً وصادما ربما فيأحيان كثيرة، ففي حديثه المطول مع مجلة “the Atlantic” الاسبوع الماضي قدم الرئيس الأمريكي مقاربة مستفيضة بشأن مواقفه وقراراته والاستراتجيات التي اعتمدها في سنوات حكمه التي ستنتهي الخريف المقبل وناقش بإسهاب خطوطه الحمر الشهيرة فيشأن الملف السوري وتراجعه في اللحظة الأخيرة عن قصف قوات بشار الأسد بعد تحذيره من استخدام أسلحة كيماوية، وهنا يحاولأوباما أن يقرن خطابه الجميل بفلسفة عدم الفعل، فكلامه يوحي كما وصفه أحد المعلقين وكأنما هو محلل برتبة رئيس.
وحادثة “الخط الاحمر” السوري تبدو مفصلية في رئاسته وتظهر المقابلة كم جادل مسؤولون أمريكيون الرئيس كي يلتزم بخطوطه الحمر التي سبب سقوطها استمرار الأسد في قتل السوريين وفيتضاعف مسألة الهجرة التي هزت أوروبا والدول المجاورة لسوريا.
يقول الكاتب الأمريكي “ديفيد اغناشيوس” إن مقابلة أوباما الأخيرة توضح لماذا يميل الرؤساء الأميركيون إلى تأجيل تبريراتهم لمواقفهم إلى لحظة كتابة مذكراتهم، فالصراحة التي يبدونها هي من ذاك النوع الذي يزعزع الاستقرار فالحلفاء والخصوم يكتشفون حقيقة مافكر به الرئيس.
نعم، يبدو أن أوباما في مقابلته التاريخية هذه قد أثار الكثير من الجدل وهو جدل يتراوح ما بين الإعجاب والانبهار وما بين الغضب والذهول أيضا، مرة جديدة يظهر أوباما قدرته على مخاطبة شرائح واسعة وهاهم الأميركيون يتفاعلون بحيوية مع هذه المقابلة التي تقدم تفسيرات لكثير من المواقف الأوباماية خصوصاً في السياسة الخارجية.
أنا لست أميركية ولو كنت كذلك لربما تضاعف اعجابي بشخصية هذا الرئيس، لكنني في النهاية أعيش في لبنان وعلى بعد ساعتين من منزلي تبدأ الحدود السورية وهناك يقع الفشل الكبير لأوباما وهو فشل معمد بأرواح مئات الآلاف من السوريين وبتشرد ملايين آخرين منهم وبمستقبل غامض قاتم لنا جميعا في هذه المنطقة.
في مقابلته يشرح أوباما كيف بدأ بالخروج من دائرة العلاقة مع الأنظمة العربية ويبدي تمسكاً بقراره سحب يديه من الوضع السوري، لكن برغم كل اللهجة الواثقة الدفاعية التي أبداها فيشرح سياسته الخارجية فهو بداً غير مقنع بشأن الملف السوري، يكتفي هنا أوباما بالاعتقاد بأنه قدم خدمة عظيمة لبلده لأنه أبقا هاخارج الرمال السورية متكلاً على أن المؤرخين سيفونه حقه يوما ماً.
لكن في الحقيقة كيف يمكن لأوباما أو أي رئيس ومسؤول في العالم اليوم أن يشعر بشيئ من الفخر تجاه سوريا. كيف يكون ما حصلفي سوريا أمراً يدفع على الارتياح!
فاذا كان النقاش مصالح فقط فما الذي حصل، قرر أوباما أن على الولايات المتحدة أن لا تتورط عسكرياً فانسحب من الشرق الأوسط فماذا كانت النتيجة: دخلت روسيا ومعها إيران وداعش ودول عديدة تصدرت لملء الفراغ، فهل الولايات المتحدة في وضع أفضل حين تكون تلك القوى تتقدم فيما هي تتراجع، لا اعتقد.
بالنسبة لنا من نعيش في قلب نزاعات المنطقة فهذا يعني زاوية أخرى من التفاعل مع سياسة أوباما وهي زاوية قد لا يشعر الرجل أنه ملزم تجاهها لكن نحن من توهمنا وعقدنا آمالاً على قدرة شخص بخلفية ومكانة وموقع أوباما أن يحقق ما نعتقده واجباً على البلد الأول في العالم نشعر بخذلان هائل خصوصاً أن هذا البلد كان شريكا لعقود في سياسات معلنة وسرية كرست الوضع الذي ندفع أثماناً باهظة له اليوم.
مجدداً لو كنت أمريكية لربما أعجبت بحيوية وكاريزما هذا الرئيس، لكن أما وأنني في هذه البقعة من العالم فأنا لست أكثر من فرد في جمهور عريض يجلس في الظل لن ينتبه له أوباما حين ينظر فيم رآته لكنه حتما يدفع أثمانا قاسية جراء تخاذله.
ديانا مقلد – اورينت نت