استلقى منهكا وانفاسه بالكاد تقاوم موته الذي كان محققا قبل دقائق قليلة،دار نظره وكان جسده يرتجف بدأ يستعيد وعيه بعد لحظات ويرى ما حوله جيدا،ابتعد قليلا وجلس في بقعة جافة،دقق النظر فوجد غطاء لف به جسده، كانت دموعه تنهمر،ووجنتيه رغم البرد تشتعل وتحرقه لأن الدموع اختلطت بملح البحر، جلس يئن ويبكي،لم يبق معه سوى جوزات السفر التي ربطها بخصره بكيس وشريط لاصق وصورتين صغيريتن لها.
حاول النهوض،رأى الكثير ممن معه ملقون على الشاطئ بدأ يبحث عل الموج قد يرحمه ويقذف بولديه إلى الشاطئ ليودعهما وداعا يليق بجسديهما الصغيرين،كان يخالهما يقفزان ويجريان أمامه، تذكر
بيته الصغير الذي باعه وترك من خلفه زوجة لا تعرف ما ذا حل بولديها.
كان يضحك تارة ويبكي تارة كالمجنون، ويقفز ويترنم
(يا حبابي يا روح البابا….شوفو شو جبلكن بابا. )ولكن دون جدوى، صار يركض و يصرخ يا(أبي ابي ،ما طلعتو من جوا
ما تركك يا علي ،وانت يا مصطفى ما ترككن، بلعكن بلعكن لك يا يابييييي يا يابييي الله يوفقكن طلعوا قلولوا يطالعكن بدي شوفكن يا يابييي)
كان ينظر لوجوه كل من تناثرت جثثهم حوله ويحاول تغطيتهم،ويتمتم
بكلمات بطيئة(يلله وصلنا يا جماعة وصلنا شوفو،طلعو ليكنا وصلنا،
يا جماعة ما عمتسمعوااا، لك فيقوااا هي أول أوروبا،مو بدنا أوروبا هي أوربا ليكا. )
صار يجمع أغراض كل من حوله وهو يرتجف بردا وبكاؤه لم يعد يسعفه، جلس بقرب جثة فتاة صغيرة، وبدأ يغطيها، ويعانقها،
حملها، بين ذراعيه وبدأ يجري، يبحث عن أمل جديد بقبر يلم أحلاما ضائعة، وجوزات سفر بللها الموت وغيب معالمها ومعالم أصحابها كان يردد كلمات ممزوجة بالصراخ،والعويل.
كان يركض في كل اتجاه ويقول(يا عمو سبقوكي ولادي ،علي ومطصفى،راحو أخدن الموج ما طلعو ما قدروا ،رح يدفنن البحر بالملح تبعو، بس أنتي رح أحملك باديي وأعملك
قبر حلو وزينو بالورد متل أيامكن الحلوة، يلي كانت مخباية، يا عمو لاتخافي، صرتي هلق بأمان ما عاد في شي يخوفك راح الخوف راح ياعمو.
وازا شفتي ولادي،سأليلي ياهن،ارتاحوا بقبرن المالح، ولا بعد الموت ما بقا تفرق الطعمة واللون، سلميلي علبهن كتيرر، وقليلن وصلناا).!!
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد