سميرة العلي، نازحة من دمشق، أم لأربعة أطفال، وزوجة ضابط منشق، قذفت بهم رياح التهجير بعيدا عن مسقط رأسهم، ليبدؤوا معاناة جديدة تضاف إلى معاناتهم السّابقة في التهجير والاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل نظامٍ لاعهدَ له ولا ذِمَّة.
ودعت سميرة بيتها، وذكرياتها، وطلابها في حيّ الزاهرة في دمشق، وهربت مع زوجها الضابط المنشق إلى ريف إدلب الجنوبي على أمل أن تنعم هناك ببعض الأمان، وتبدأ حياة جديدة في مكان جديد، وفي بيتٍ جديد بنته على أرضٍ ورثتها من أهلها، بيد أنّ حلمها هذا دمّرته طائرات النظام كما دمّرت بيتهم هذا أيضا.
أم أحمد فقدت منزلين ولا تعرف الطريقة الصحيحة لتوثيق ما تملك
تبدأ معاناة سميرة وعائلتها منذ أن انشق زوجها عن النظام وقرروا الهروب من دمشق خوفا من الاعتقال.
كانت تمتلك بيتا في ذاك الحيّ الدمشقي الذي ضمَّ ذكرياتها مع زوجها وأطفالها، وبعد هروبها منه استولى النظام عليه كما فعل مع كثير من المهجّرين.
بيتُ سميرة في حيّ الزاهرة في دمشق مبنيٌّ على أرضٍ زراعية من دون رخصة، وهذه الأرض مسجّلة في السّجل العقاري باسم زوجها، ولأنّه ضابط منشق فهو مطلوب لمحكمة الإرهاب، وبالتالي خضعت أملاكه المنقولة وغير المنقولة للحجز الاحتياطي.
تقول سميرة:
” تركنا بيتنا تركنا غراضنا كل شي يعني تركناه في الشام.. إجينا لعالم تاني على ريف إدلب الجنوبي، كمان نفس الشي بلشنا نأسس حياتنا”.
بعد وصولها إلى ريف إدلب الجنوبي استطاعت بمساعدة بعض الأقارب أن تبني بيتا صغيرا على أرضٍ ورثتها عن والدها هناك، وزرعت فيها شجر تين وشجر زيتون وعنب، ولكنّها سرعان ما غادرته بعد الحملة الشرسة على تلك المنطقة، ولا سيما بعد أن تعرض جيرانها للقصف بالبراميل المتفجرة.
تقول:
“بنتهن قدام عيوننا ماشفناها إلا استشهدت .. إنك تشوف أنو طفل قدام عينك عبيستشهد بسبب شظية أو هاي يعني صعب … أمر صعب.. فقررنا أنو نطلع نرجع نتهجر … ننزح …”.
اشتدّ القصف على تلك المنطقة، فتركت سميرة البيت بكل ما فيه، كما فعلت في بيتها في دمشق، وهربت إلى ريف إدلب الغربي، فاستولت عليه عناصر النظام وعلى الأرض، وحوّلت البيت إلى كومة رمل بعد هدمه بهدف سرقة قضبان الحديد، والأبواب والشبابيك.
تقول سميرة:
“الناس أكترها نزحت يعني من دون ما تاخد غراض معاها…صار تعفيش للحديد للبواب للشبابيك …أخدوا الأرض … صار الموسم هني يقطفوه يروحوا يبيعوه.. وبعد ما يخلص الموسم صاروا يقطعوا الشجر …خراب وأذى كبير يعني في الأرض وفي البيت”.
هذه المرة الثانية التي تفقد فيها سميرة ملكيتها في العقار، فهي لم تستطع تسجيل الأرض التي ورثتها عن والدها في إدلب ولا البيت الذي بنته عليها في السجل العقاري؛ بسبب نقل السجل المدني والسجلات العقارية إلى مناطق سيطرة النظام، وهي لا تستطيع الذهاب هناك خوفا من الاعتقال بسبب زوجها المنشق.
نقلُ السجل العقاري إلى مناطق سيطرة النظام انعكس سلبا على نقل الملكيات وعمليات حصر الإرث، وتسجيل الولادات والوفيات، ودفعَ الناس للجوء لمؤسسات ومنظمات غير رسمية لتسجيل الوقوعات.
سميرة لم تتمكن من التصرف بممتلكاتها في إدلب ودمشق أيضا؛ بسبب الخوف من الاعتقال وبسبب القوانين التي شرعها النظام للاستيلاء على ممتلكات المهجرين والمنشقين المنقولة وغير المنقولة، فاستولى على بيتها، وأعطى أرضها لعناصر ميليشيات تتبع له لاستثمارها والانتفاع بها.
تواصلت سميرة مع بعض أقاربها في دمشق، وعلمت منهم أن الشبيحة يسكنون بيتها ويتصرفون بممتلكاتها، بينما هي تقف عاجزة مقهورة؛ بسبب حقها الذي يسلب أمام عينيها:
” نحنا مانا عمنحسن يعني نتصرف في أملاكنا..عم حاول بيع البيت من خمس سنين بس فشلت لأني زوجة منشق وإذا رحت ع مناطق النظام بدو يعتقلني لأن البيت في اسم الزوج.. البيت اللي كنا نملكو كان طابو زراعي.. بس القرارات اللي أصدرها النظام السوري صارد كل شي أملاك زراعية غير طابو أخضر (سند إثبات) “.
سميرة كانت على درجة من الوعي جعلتها تحضر معها سند البيت والطابو ودفتر العائلة والهويات الشخصية لها ولأولادها، وحافظت عليها مع وجود القصف والتهجير المتكرر، وتوجه رسالة إلى كل مَن يستطيع إثبات الملكية أو تسجيل ولادة أو تثبيت زواج أو بيع أو شراء ألا يقصّر في ذلك.
وتتمنى من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية، وكل من يستطيع الضغط على النظام السوري أن يجعله يعترف بالملكية والسندات.
تعيش الآن سميرة في منزل مستأجر في ريف إدلب الشمالي، بعد أن كان تمتلك بيتين قبل أن يحرمها النظام منهما ومن الأرض التي تبلغ مساحتها ما يزيد عن 10 دونمات، وعلى الرّغم من الظروف الصعبة التي تعيشها الآن مع زوجها وأطفالها إلا أنّ لديها بارقة أمل في الرجوع إلى بيتها واستعادة أملاكها.
فهل ستحقق الحلم، وتسترجع حقها في ملكياتها؟