مالك طفل لم يتعدى الأربعة عشر عاماً ، انضم والده إلى اللجان الشعبية الموجودة في ريف دمشق ليحمل السلاح ويقف على حواجز النظام المنتشرة في منطقة الديماس بدعوى حماية المدنيين من المدعوين حسب اعتباره ” المجموعات المسلحة “، ثم ليلتحق هو الآخر مع والده وينضم إلى اللجان الشعبية لحمل السلاح والوقوف على أحد مداخل المنطقة، والمشاركة بالاشتباكات القائمة مع قوات المعارضة.
هذا ما آلت إليه حال الأطفال في سوريا فإما شهيداً بنيران أحد الاطراف المتصارعة، أو جندياً في الصفوف الأولى للمقاتلين، هذا ما تفعله قوات المعارضة وتنظيم الدولة والنظام السوري في آن واحد.
وعلى رأس الجهات التي تجنّد أطفالاً في سورية هي نظام الأسد، فـ”جيش الدفاع الوطني”، و”اللجان الشعبية”، وما يسميه المواطنون في سورية ” الشبيحة “، وغيرها تقبل كل من يرغب بالتطوع، حتى لو قل عمره عن 18 سنة ،وذلك بسبب الخسائر الكبيرة في جيش النظام والتي تؤدي لنقص في المقاتلين ، حيث يتلقى بعضهم تدريبات سريعة لا تتجاوز الأسبوع ثم ينضم إلى الحرب، ويقول بعض الناشطين إن 40 بالمئة من اللجان الشعبية هي ما دون 18 سنة من العمر.
وكذلك فإنه من ضمن الجهات التي تجند الأطفال في سوريا تنظيم “الدولة الإسلامية”، وذلك من خلال زجهم في معسكرات تدريب تسمى (دورات الأشبال)، أو بتغرير الاهالي بمبالغ مالية بين 100 و200 دولار حسب عمر ومهارة الطفل، وفي أغلب الأحيان يتم تجنيد القاصرين منهم دون موافقة الاهل من خلال عملية خطف متفق عليها، حيث أن لتنظيم الدولة معسكرات منتشرة في كل من (الرقة ودير الزور والبوكمال وريف حلب).
كذلك ونقلاً عن نشطاء ومنظمات متنوعة ذكرت أن الكثير من الأطفال دون سن الـ 18 يُقاتلون في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية، و( الاسايش )، التابعان لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي.
وعلى ما يبدو أن هنالك العديد من الأسباب التي تدفع هؤلاء الاطفال إلى الالتحاق بأحد الجماعات المتقاتلة والارتباط بها، وأهم تلك الاسباب الفقر والأمية التي يعاني منها أغلب الأطفال بسبب حالة الحرب وأغلاق المدارس النظامية في مناطق الصراع أو طلباً للرزق، كما أن أغلب الاطفال يضطر إلى الانضمام إلى أحد الجماعات المتقاتلة طلباً للحماية حيث يجد نفسه بحاجة إلى الشعور بالأمان والقوة والانتماء التي يوفرها وجودهم ضمن جماعة معينة، أو رغبةً بالثأر لمقتل أبٍ أو أخٍ أو فقدان أحد ما، وربما أيضاً بسبب فقدان الأمل بالحياة، حيث يدفعهم ذلك إلى الانضمام إلى مجموعات فدائية انتحارية بهدف الخلاص من الحياة .
كما أنه من ناحية أخرى نجد أن بعض الجماعات تجذب الاطفال إليها من خلال تعزيز جوانب معينة وقيم معينة بالحياة مثل تعزيز الجانب الديني وترسيخ مبادئ التضحية بالنفس في سبيل إعلاء راية الإسلام و جعل الشهادة قيمة عليا يجب السعي لها وبلوغها، أو تعزيز مبدأ حماية الوطن وتخليصه من الذين يحاولون المساس بالسلطة الحاكمة فهم بذلك يستغلون نقاء فكر هؤلاء الأطفال ليزرعوا بداخله ما يشاؤون من أفكار، حيث يرسخون فكرة القائد البطل و الولاء له دون التفكير أن كان على حق أم باطل .
وهذا ما يحدث داخل سوريا حيث ترسخت في أذهان الأطفال من قبل المؤيدين للنظام فكرة الولاء لقائدهم بشار الأسد ومن قبله حافظ الاسد والتضحية في سبيله، ولكن ما هو واضح للجميع مدى الأثر الذي يخلفه تجنيد الاطفال في الصراع أو ضمن جماعة معينة سواءً من الناحية النفسية واجتماعية حيث نتج عن ذلك العنف المفرط، والذي تجلى واضحاً من خلال سلوكياتهم وأنواع لعبهم ، حيث نرى اللعب بالأسلحة البلاستيكية وحرب الشوارع كما لو كان ذلك حقيقياً ، وإضافة إلى التأثر من الناحية الثقافية حيث انحسرت نسبة التعليم بين الاطفال.
وبناءً على ذلك كان لابد من وضع حد لتجنيد الأطفال أو استخدامهم كدروع بشرية أو في الاقتتال، حيث دعت منظمة وهيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته في شهر حزيران لعالم 2015 بحظر تجنيد واستخدام الأطفال، وبتسريح جميع المقاتلين أو المساعدين تحت 18 عاماً في صفوفها. كما طالبت بتجميد جميع المبيعات والمساعدات العسكرية، ومنها التدريبات والخدمات الفنية، المقدمة للقوات التي توجد معلومات موثوقة عن ضلوعها في مثل هذه الانتهاكات.
فالأطفال لابد لهم من أن يعيشوا مرحلتهم العمرية بعيداً عن الحروب والهموم والمشاكل، ويجب أن يتمتعوا بحقوقهم بالحياة الكريمة والأمان والسلام دون الانخراط في أعمال الحرب
المركز الصحفي السوري – باريزان اليوسف