دعا أصدقاءه إلى العَشاء ذات مساء، حمل إليهم الطّعام، ومشى إليهم فَرحا على أمل أن يقضي معهم سهرة ممتعة؛ لأنّهم لم يجتمعوا منذ أن بدأ القصف على قريتهم، فجأة فُتِحَ جدارُ الصّوت وحدث ما لم يكن بالحُسبان.
شاهد… قصة أملاك ليلى التي عرفت بموت زوجها المعتقل من خلال صورة
أزيز الطائرات عمّ المكان، وأصوات الانفجارات هنا وهناك، أسرع مصطفى وهو يحمل الطعام بين يديه؛ ليرى أين ستسقط صواريخ الغدر، وصل إلى فناء الدار، وقبل أن يجتاز باب المنزل باغته صاروخ فتناثرَ أشلاء.
في عام 2013 كثّف النظام الأسدي المجرم قصفه على القرية، القذائف والصواريخ تتساقط وتنهال من كلّ حدب وصوب، النّاس حيرى لا يعرفون أين يذهبون، بين ليلة وضحاها باتت القرية خاوية على عروشها.
مصطفى، ذاك الفتى الذي لم يكمل الثامنة عشر من عمره، من سكّان ريف حماة الغربي، كان يحلم أن يكمل تعليمه بعد انتصار الثورة، ويتزوّج، ويصبح لديه أسرة أطفال، لكنّ الصّاروخ وقف حائلا بينه وبين أحلامه التي تناثرت كما تناثرت أشلاء جسده، استُشهد مصطفى ولم يكمل سهرته مع أصدقائه، فارق الحياة جائعا، وخلّف وراءه غصّة في قلب أهله ولا سيّما أخوه الأصغر.
في الصّباح عاد أهله يبحثون عن جسد ابنهم بعد ليلة عصيبة لا ينسون طعم مرارها ما عاشوا، فوجدوه أشلاء متناثرة هنا وهناك، التصق بعضها على شجرتي الزيتون والرّمان الموجودتين في بستان جارهم المتاخم لمنزلهم، لم يحتمل أخوه الأصغر هذا المنظر، فقد كان عبد العزيز ملازما لأخيه مصطفى وكأنه ظلّه، كلّ مَنْ يراهما يحسبُ أنّهما توأمان.
حزن عبد العزيز حزنا شديدا بعد استشهاد مصطفى، ومرض مرضا شديدا حار الأطباء في أمره، ولم يجدوا له سببا، نقلوه إلى تركيا، ازداد وضعه سوءا، بقي مدة قصيرة في المشفى ثمّ فارق الحياة.
وهكذا فارق الأخوان الحياة وهما في مقتبل العمر، دون أن يحققّا شيئا من أحلامهما، فارقا الحياة وخلّفا بعدهما غصّة في قلب أهلهم الذين لم ينسَوا إلى اليوم منظر الأشلاء على أشجار الزيتون والرّمان.
بقلم : ظلال عبود
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع