تستمر الليرة السورية بالتهاوي بشكل غير مسبوق وتاريخي أمام الدولار الأمريكي، مع عجز كامل للنظام السوري على تجاوز الأزمة وكبح الانهيار، وقد بدأ الهبوط الدراماتيكي لليرة في مطلع شهر أيار/ مايو الجاري، وتحديداً عندما بدأ الصراع بين تجار الحرب والأزمات يطفو على السطح، حيث ظهر “رامي مخلوف” رجل الأعمال السوري وابن خال “بشار الأسد” بثلاثة فيديوهات مصورة، كان آخرها يوم أمس الأحد، وقد حمل تهديداً مبطناً بانهيار الاقتصاد السوري كاملاً، في حال استمرت الأجهزة الأمنية بملاحقة الموظفين العاملين في شركاته، واعتقالهم، للضغط عليه من أجل دفع الأموال والتنازل عن الشركات التابعة له، وقد شدد “مخلوف” على رفضه لتلك الضغوطات والإصرار بمعركة عض الأصابع مع النظام، أو بشكل أوضح مع “أسماء الأخرس” التي تدير الحملة المنظمة ضد مخلوف والمتعاونين معه.
ولمعرفة سر هبوط سعر الليرة وانهيار اقتصاد النظام لا بد من التوسع في ذكر الأسباب، وقد لخصها الباحث السوري “عباس شريفة” خلال حديثه لـ”نداء سوريا” بـ10 بنود، وهي استهلاك البنك المركزي السوري للاحتياطي النقدي كله والذي يقدر بنحو 18 مليار دولار، لتمويل حرب النظام على الشعب السوري وقمع الثورة السورية، وانتشار الفساد والنهب والسرقات من المؤسسات الحكومية، وبلوغها أعلى المستويات ضمن مؤشرات الفساد العالمي، وتوقف الخط الائتماني الإيراني الذي كان يعمل على تأمين المستوردات للنظام بعد سريان العقوبات الأمريكية على إيران والحصار المفروض عليها بعد إلغاء الولايات المتحدة للاتفاق النووي، يضاف إلى ذلك توقف البنوك اللبنانية عن تحويل العملة الصعبة للنظام، حيث لعبت الأخيرة دور الشريان المالي له، وكانت بوابته للاستيراد، إلى جانب فشل النظام بدعم الليرة عبر عدد من التجار ورجال الأعمال الذين يدورون في فلكه؛ حيث أوضح “شريفة” أن من بين 64 تاجراً لم يوافق على دعم الليرة السورية إلا ثلاثة كما يرفض رامي مخلوف الدفع للنظام أيضاً، وهو ما دفع بالنظام لطباعة أوراق نقدية لا تحمل رصيداً.
وأشار إلى أن من بين الأسباب تهريب الطبقة الفاسدة المقرّبة من الأسد أموالها إلى الخارج؛ خوفاً من فرض مزيد من الإتاوات عليها لتمويل الحرب وخوفاً من مضاعفات الحصار الاقتصادي، ووقوع حلفاء النظام بأزمات اقتصادية حادة في إيران وروسيا ولبنان والعراق بعد إفلاس البنوك اللبنانية، وانهيار أسواق النفط، ووقوع إيران تحت ضغط الحصار، كما أن قلة الناتج المحلي للاقتصاد السوري، بعد أن قام النظام بتدمير القطاع الصناعي والزراعي وتوقف قطاع الترانزيت لعب دوراً في انهيار الليرة، إلى جانب عدم قدرة النظام على استثمار ثروات المنطقة الشرقية من نفط وغاز وقمح بسبب سيطرة القوات الأمريكية عليها ومنعه من استغلال ثرواتها، ويتزامن ذلك مع بَدْء ظهور مفاعيل قانون قيصر الذي سيدخل حيز التنفيذ في الشهر السادس.
وذكر الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور “عبدالله حمادة” أن قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي انهارت من 50 ليرة عام 2011 إلى 1750 عام 2020، أي أن الليرة السورية فقدت 97% من قيمتها خلال التسع سنوات الماضية، وأفاد “حمادة” في حديثه لـ”نداء سوريا” بأن السبب الرئيسي وراء هذا الانهيار هو الانهيارات على الصعيد الاقتصادي، فانخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 63 مليار دولار عام 2010 إلى 2 مليار دولار عام 2019، وارتفاع معدل التضخم تجاوز 1500%، ومعدل البطالة تجاوز 84%، ونسبة الفقر بحدود الـ90%، لافتاً إلى أن سوريا هي في حالة احتضار اقتصادياً، ولا سياسات ناجعة على المدى المنظور لدى الحكومة (المفلسة) من إمكانية اتخاذ أيّ إجراء يحد من هذا الانهيار.
هل ستشهد الليرة مزيداً من الانهيارات؟
أكد “رامي مخلوف” في آخر فيديو نشره (يوم أمس) أن الاقتصاد السوري سينهار بشكل كامل في حال استمر نظام الأسد بالضغط على شركاته وتحديداً شركة “سيرتيل” للاتصالات التي اعتبرها “مخلوف” ذاته أنها من أكبر الشركات الرافدة لخزينة الدولة، وقد أوضح أن الأسعار في سوريا ارتفعت بنسبة 10 أضعاف منذ بداية الثورة عام 2011، وحتى منتصف عام 2019، إلا أنها قفزت 20 ضعفاً مجدداً منذ منتصف 2019 وحتى اليوم.
وفي هذا الصدد أكد الباحث في الشؤون الاقتصادية “خالد تركاوي” أن الليرة ستستمر في الانهيار، إن كان بسبب الصراع بين “الأسد” و”مخلوف” أو من دونه، وذلك لجملة من الأسباب ومنها قانون “قيصر”، واستمرار الظروف الموضوعية لانهيارها، لكنه أوضح أن خلاف “رامي” و”بشار” يسرّع من انهيارها، مرجحاً أن تنهار الليرة إلى حدود إلى الـ2000 مقابل الدولار الأمريكي الواحد قريباً.
ولفت “تركاوي” خلال حديثه لـ”نداء سوريا” إلى أن ما يحصل الآن في سوريا مفصلي جداً، خاصةً عندما يهدد المسيطر على ثلثي “الاقتصاد السوري” (رامي مخلوف)، بانهيار ما تبقى من الاقتصاد، وهو أمر يجب أخذه على محمل الجد، مرجحاً أن تعجز حكومة الأسد للمرة الأولى عن تسديد الرواتب والأجور، وخروج مزيد ممن تبقى من التجار والصناعيين من البلاد، وزيادة التدقيق على صغار التجار والصناعيين والعاملين في سوريا من قِبَل النظام لتحصيل مبالغ إضافية لتمويل حربهم.
وبدوره اعتبر “حمادة” أن الخلافات بين رامي مخلوف وبشار الأسد إن كانت صحيحة فهي نتيجة استمرار الانهيار في الوضع الاقتصادي وقد لا تكون سبباً ذا قيمة كبيرة في زيادة أو استمرار الانهيار، إنما الأسباب الحقيقية هي تدهور الوضع الاقتصادي بكافة جوانبه الصناعية والزراعية والسياحية والخدمية.
وأضاف: “خط الاتجاه العام لانهيار الليرة يظهر أن الانهيار مستمر بسبب استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير بالإضافة إلى بعض الأوضاع السياسية التي تبدي تراجعاً ضئيلاً في دعم الطاغية بشار”.
واستطرد قائلاً: “المصيبة الكبيرة هي: يعيش المواطنون السوريون في الداخل السوري أسوأ أيامهم الاقتصادية، بسبب غلاء الأسعار بشكل جنوني، نتيجة هبوط سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، وهو الهبوط الأكبر في تاريخها، ومن الطبيعي في هذه الظروف أن يزداد الفساد والنهب والسرقة، وأن تقوم الطبقة الفاسدة المقربة من الأسد بتهريب أموالها إلى الخارج خوفاً من خسارتها بالسرقة أو الاستيلاء عليها لتمويل آلة القتل والتدمير للمحافظة على الأسد”.
ولا تزال الخلافات بين النظام ورامي مخلوف قائمة حتى الآن، وسط نشر الطرفين لبيانات يكذب أحدهما الآخر، حيث نشرت وزارة الاتصالات في نظام الأسد منشوراً قالت فيه: إن “مخلوف” رفض دفع المستحقات المالية المترتبة عليه، وهو ما كذبه مخلوف اليوم الاثنين؛ الأمر الذي ينذر بمزيد من التدهور في الاقتصاد السوري.
المصدر: نداء سوريا