“لم يفت الأوان بعد لبذل القادة الأوروبيين جهودًا جادة لإنهاء الأزمة السورية، والسعي لتقديم الدعم اللازم للشعب السوري، من خلال فعاليات أعمال القمة العالمية للعمل الإنساني، الأولى من نوعها، التي بدأت اليوم في مدينة إسطنبول التركية، بمشاركة قادة ورؤساء حكومات حوالي مئة دولة”.
جاء ذلك في مقالة كتبها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونشرها في صحيفة “الغارديان” البريطانية في عددها الصادر اليوم الإثنين.
واعتبر أردوغان أن “انعقاد القمة يعد خطوة تعكس تقدير الأمم المتحدة لتركيا، التي تستضيف حاليًا أكبر عدد من لاجئي دول الجوار، مقارنةً بالدول الأخرى من ناحية، وتسلّط الضوء على مدى إمكانية انهيار نظام المساعدات الإنساني العالمي، حيث أنه بدأ ينذر بالخطر، من ناحية أخرى”.
وندّد الرئيس التركي بفشل المجتمع الدولي في إنقاذ سوريا، وتلبية متطلبات الأزمة الإنسانية الخانقة التي يعاني منها الشعب السوري، داعيًا “الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، لاستخدام حق النقض (الفيتو) لتعزيز السلام والاستقرار والأمن في جميع أنحاء العالم، بدلًا من السعي وراء المصالح قصيرة المدى”.
وقال “عندما فشل العالم في إنقاذ سوريا، تدخّلت تركيا، وحان الوقت لدعم باقي دول العالم”، مضيفًا “في ظل استضافتنا القمة العالمية للعمل الإنساني، الأولى من نوعها، نتطلع لأن يحذو زعماء العالم حذونا بما يخص أزمة اللاجئين”.
ولفت قائلًا “إضافة إلى سوريا، نجد أن الصراعات العرقية العنيفة، والكوارث الطبيعية التي يشهدها الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والمناطق الأخرى، حصدت حياة الكثيرين في ليبيا واليمن والعراق، تاركةً جثث الأطفال الأبرياء منثورة على الشواطئ، وتسببت بارتفاع أعداد النازحين والمهاجرين، الذين يتدفقون بشكل مستمر على البوابات الحدودية، إضافة إلى تفاقم الفقر المدقع، في ظل المأساة اليومية التي يعيشها كثيرون في مختلف أصقاع الأرض”.
وأشار “تناقش القمة، النظام العالمي للمساعدات الإنسانية، ومشاكله الملحة، وتسعى لإصلاح مواطن الخلل فيه، في ظل لقاء يجمع للمرة الأولى رؤساء الدول والحكومات، وعدد كبير من الوزراء، والمسؤولين رفيعي المستوى، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات المجتمع المدني الدولية، والهيئات الأكاديمية والإعلامية، والقطاع الخاص، وممثلين عن المناطق المتأثرة بالأزمات، بغية إيجاد حلول، والتوصل إلى نتائج إيجابية”.
وأكد أردوغان أن “تركيا، التي تعتبر ملاذًا آمنًا للفارين من الدمار والحروب والظلم، منذ قرون مضت، ما زالت اليوم تقدّم الإغاثة الإنسانية لأكثر من 140 بلدًا في القارات الخمس، وبالتالي فإنها تعتبر البلد الأكثر سخاء في العالم، حيث أنها تخصص حصة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق على المساعدات الإنسانية”.
وأضاف “ما يميز تركيا هو التزامها بإحداث تغيير حقيقي باتجاه تحسين حياة الناس، بدلًا من السعي لتحقيق أجندات خفية، ووضع مخططات وهمية، أو التعامل مع الأشخاص المحتاجين للمساعدة بطريقة متعالية”.
ومضى مقال الرئيس “عندما زرت الصومال، في أغسطس/ آب عام 2011، وجدتها بلدًا يعاني خرابًا كبيرًا، بسبب الظروف القاسية، التي تمر بها من جفاف ومجاعة وصراعات، وقد تجاهلها العالم بشكل كامل، في ذلك الوقت قدّمت تركيا التزامًا لمساعدة شعب الصومال، عبر وكالات الإغاثة التركية، بالتعاون مع شركائها المحليين، الذين قدموا الدعم والمساعدة للبلاد على مدى خمس سنوات، وصولًا إلى اليوم الذي وجدنا به أن الصومال يشهد تقدمًا لا يصدّق في مجالات عدة، منها تعزيز الاستقرار السياسي، ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمان والسلام لمواطنيها”.
واستدرك قائلاً “تعتبر استجابة تركيا للأزمة الإنسانية في سوريا، قصة نجاح أخرى، حيث انتهجنا سياسة الحدود المفتوحة أمام اللاجئين السوريين منذ عام 2011، ونستضيف حاليًا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري وعراقي، فيما خصصت تركيا 10 مليارات دولار أمريكي، لتزويد اللاجئين السوريين بخدمات الرعاية الصحية والتعليم والسكن، في حين فشل المجتمع الدولي في دعم الشعب السوري، الذي شهد أعنف أزمة إنسانية، تسببت بمصرع أكثر من 600 ألف شخص، وتشريد حوالي 13 مليونًا آخرين”.
وأكد على أن “تركيا ستواصل دعم جيرانها السوريين، في ظل دخول الأزمة في بلادهم عامها السادس، إلا إننا ندعو العالم إلى إيجاد آلية عادلة لتقاسم عبء الأزمة”.
وندّد أردوغان بتجاهل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه سوريا من خلال غض الطرف عن جرائم بشار الأسد، التي ارتكبها تجاه السوريين، وقال “كان لتدفق اللاجئين في شوارع أوروبا، وظهور تنظيمات إرهابية مثل “داعش”، التي أخذت تهاجم استقرار وأمان مواطني الاتحاد الأوروبي، أثرًا كبيرًا في إدراك القادة الأوروبيين لتفاقم المشكلة، التي أصبح من المستحيل تجاهلها بعد الآن”.
وفي النهاية، أعرب الرئيس التركي عن أمله بنجاح دول العالم بتقديم التزامات ملموسة لإصلاح النظام العالمي الإنساني، مشيرًا أن “نجاح القمة وتحقيق أهدافها، مرتبط بمدى صدق المشاركين، وسعيهم لإنقاذ حوالي 125 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، الذين هم بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية”، فيما دعا “جميع الأطراف المشاركة للتعاون بغية إجراء قفزة نوعية إلى الأمام باتجاه عالم أكثر سلامًا وأمنًا وعدلًا”.
الأناضول