لم يكن أحد يتوقع بأحسن الأحوال أن تقود الرياض عملاً عسكرياً في اليمن دون إسناد غربي، إلى أن حصلت “عاصفة الحزم” وهي لها مبرراتها، وليس ثمة ظهير إقليمي للسعوديين سوى باكستان.
مضى أسبوعان على العملية العسكرية لتبرز بالفعل بعض نتائجها على الأرض متمثلة بتشكيل قوى شعبية في مواجهة مشروع الحوثيين الذي يلعب فيه الرئيس المخلوع على عبد الله صالح دور المحرك مستعيناً برغبة إيرانية جيو ـ ستراتيجية هدفها البعيد إيذاء السعودية والقريب إضافة ورقة لعب على “كوتشينة” طهران في لوزان.
لقد أخطأ المراقبون تقديرهم لحجم السعودية، فيما قررت أن تربح مكانتها، وهي المرة الأولى التي تضع فيها تلك الإمكانات مكان اختبار منذ موقف الراحل الملك فيصل عام 1973.
بالقدر الذي يعتبر فيه الموقف الأمريكي الرخو خطراً على “عاصفة الحزم” فإنه يشكل حافزاً قوياً لنجاحها، ويبقى الخطر أن تغصَّ واشنطن باعتبارها الوكيل الحصري لنزاعات الشرق الأوسط بانتزاع الملك سلمان دور بلاده كقوة إقليمية وعبر اختبار بالنار والسياسة.
لقد أثبتت الإدارة الأمريكية الحالية فشل سياساتها في المنطقة، كما أنها وبدلاً من أن ترمم ما أحدثته من أضرار فقد انسحبت لمصلحة إيران وليس بدون إرادتها بل يبدو أنها أعادت ترتيب مصالحها في المنطقة على أساس وجود إيران كشرطيّ لها بل وهي تشارك في تأهيل هذا الشرطي.
نهاية شباط ـفبراير الماضي زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرياض، وقال مراقبون إن تركيا جاهزة لأي تحرك لتغيير واقع المنطقة ويبقى أن على السعودية اتخاذ قرار بهذا الشأن، لم يكن الحديث المعلن وقتها عن اليمن أو سوريا على وجه التحديد وأي تحرك كان يعني بالضرورة مواجهة الخطر الإيراني وهو بالتالي سيكون في محور سوريا ـاليمن.
بعد أقل من شهر على لقاء سلمان ـأردوغان تحركت الرياض وهي التي لم تهدد قبلاً بعمل عسكري، فيما لاتزال تركيا تراهن على معادلات ومصالح وتحالفات، وقد لا أظلم أردوغان إن قلت إنه وضع خطوطاً حمراء كتلك التي وضعها أوباما بل وأكثر إلا أنها ذهبت أدراج النسيان.
ربما يكون موقف الأتراك مفهوماً باعتباره صبراً استراتيجياً على محاولات جرهم إلى المستنقع السوري، لكن حدوداً بطول أكثر من 800 كم بتعقيداتها الديمغرافية، وسيطرة تنظيم “الدولة” الإرهابي على أغلبها كان يجب أن تكون كافية لكي نرى الأتراك في النزال، وإن لم يكن النزال لأجل عيون السوريين فليكن لأجل إسقاط طائرة F16 حربية كما حصل في تموز ـيونيو 2012، أو لأجل عشرات التهديدات والتفجيرات داخل الأراضي التركية.
ربما يراهن أردوغان على نجاح سياسته الداخلية، إلا أن هناك ضعفاً في أدائه على المستوى الدولي، وجميع مظاهر القوة التي يمتلكها الأتراك لم تختبر بعد، كما أنها بقيت تحت بند مواقف شخصية وعاطفية، وتقتصر في أحسن الأحوال على دعم لحركة حماس في غزة.
بالمجمل يبدو أن أنقرة غير جاهزة لخوض حرب مع نظام متهالك تلحق به مجموعات ثورية هزائم على مساحات واسعة من الأرض، وحتى لو أنها قررت فعل شيء فإنها تكون قد تأخرت كثيراً، وبصرف النظر عن النتائج الكارثية لسياسة الخصم الإيراني في سوريا المهمة لتركيا فإن إعادة ترتيب مصالح ودور الأخيرة لا يمر إلا من قناتين اثنتين هما الحرب أو الرضوخ لإيران.
لقد استقبلت طهران الرئيس التركي برسم كاريكاتوري في إحدى صحفها صوره على شكل “دونكيشوت”، وبالمقابل فإن اختلاف الرجل مع الإيرانيين في الموقف من سوريا يبقى مجرد اختلاف أو خلاف في زيارة فاحت منها رائحة الغاز وتم خلالها استعراض التجربة التركية الفريدة في قطاع السياحة، كل أنواع السياحة ما عدا الدينية لأنها من اختصاص الإيرانيين في سوريا.
عذراً أردوغان .. وإن كنا نقدر استضافتكم للنازحين السوريين فإننا ننتظر اختباركم لقوة الدولة التي تقولون إنها ستصبح من أكبر الاقتصادات في العالم … عذراً رجب الطيب فنحن في سورية نؤمن بالمثل التركي: البدلة المهترئة لا تزينها أزرار من ذهب.. نأمل أن تغيروا بدلة سياستكم الخارجية.
المصدر: زمان الوصل ـ علي عيد