لم يكن صباح فخري الوحيد الذي ترك حلب بموته. سبقه آلاف اللاجئين والنازحين الحلبيين اضطروا لترك مدينتهم العريقة الضاربة في عمق التاريخ والثقافة والفن بسبب القصف وهربا من جحيم الموت.
الفخري الذي لا تكاد يذكر الطرب الحلبي إلا ويكون أول من يذكر، عزّ على كثيرين صداقته لرأس النظام فتحججوا بخرفه للحفاظ على رمزيته الفنية، لكن حسن حفار أبقى كرامة.
ورد في كتاب شذا نصار “صباح فخري سيرة وتراث” المؤلف من 335 صفحة الصادر عن دار هاشيت أنطوان في بيروت، الذي حضر توقيعه الفخري بنفسه بدار النمر، 2019، عن لقائه الطويل بحافظ الأسد ثم بابنه بشار حاكيا له أن والده كرمه بأن قال له إنه سفير سوريا إلى العالم، وأطلع الفخري بشار الأسد عن إنجازاته بنقابة الفنانين ومجلس الشعب بعد أن أصبح عضوا فيه، كرّمه بشار الأسد بوسام ووشاح عام 2007،كان الفخري صديقا لبلاط السلاطين ،كرّمه أبو رقيبة وقابوس.
شهد الرأي السوري انقساما في الفخري ومقارنة مع الراحل حسن حفار، الذي اشترك مع صباح بغناء القدود الحلبية والشعبية التي كانت لكيلهما، ذهب حب القدود الحلبية والتغني بتراث حلب القديم وأسطورتها التي قل نظريها أن يعزو قرب الفخري وصداقته ببلاط آل الأسد، أن الفخري خرِف وفقد عقله فلا يحاسب على تصرفاته هذه مع قاتل الحلبيين والسوريين، إلا أن رأيا يتسم بالثورية القوية التي لا تحابي أحدا ولا فنا أمام الدماء المسالة على أرض حلب وغيرها، رفض هذا التبرير وصنف الفخري بخانة المروجين للنظام السوري.
على الساحة الفنية العديد من القامات العريقة الفنية التي أبدت تأييدا مطلقا للنظام السوري وميليشيات إيران، كدريد لحام و جورج وسوف، وسيشهد السوريون انقساما شبيها بالذي وقع عقب وفاة الفخري، على الرغم من أن موقف هؤلاء من النظام كان أكثر تهورا واستفزازا للسوريين المعارضين للنظام السوري، من موقف الفخري الذي بقي صامتا عن أي دفاع أو رثاء للدماء الحلبية التي سفكها النظام.
ليت موقف الفخري كان شبيها بموقف “حسن حفار” مغني القدود الحلبية وآخر شيوخ الإنشاد الحلبيين الذي توفي عن عمر الثمانين منذ سنتين، اتخذ الحفار موقفا بطوليا ونبيلا برفضه لتكريم بشار الأسد في حديثه لإذاعة نينار إف إم حفاظا على كرامته كما قال في التسجيل المصور، دون التعرض مباشرة لذكر السبب الرئيسي، وظهر منه خلال اللقاء امتعاضا غير مباشر عن تكريم الفخري مرتين من قبل النظام ، كان المهجرون الحلبيون والسوريون ينتظرون من الفخري موقف حفار من السلطة.
على الرغم من ذلك يبقى الفخري رمزا للطرب الأصيل النادر وملتصقا بالقدود الحلبية كالتصاق الشوق بحلب رغم التهجير والنزوح. وتبقى الثورة السورية والموقف من النظام السوري الميزان لشريحة واسعة من المعارضين للنظام مهما كان تاريخ الرجل ورمزيته.
مقال رأي/محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع